صنع مختبر تابع لجامعة الامارات اول انسان تفاعلي آلي، تكلف 200 الف دولار، واطلقوا عليه اسم ابن سينا العالم والفيلسوف المسلم الذي عاش في القرن ال11 الميلادي، أي منذ تسعة قرون، كما ألبسوا الروبوت مشلحاً ابيض، ولحية وعمامة، وجعلوه يتحدث اللغة العربية الفصحي، ولا اعرف كيف سيتم التفاهم بين الروبوت وبين رئيس الفريق الذي اخترع هذا الروبوت وهو يوناني اسمه نيكولاس مافريديس، وهو من عمل عليه طوال عام كامل ومولت عمله شركة هانسن روبوتيكس. السؤال هو: هل تظنون أننا بتسمية هذا الروبوت (ابن سينا) نكرم ابن سينا والمسلمين، وأننا اذا أطلقنا اسم ابن رشد على مجمع عيادات طبي فاننا نكرم ابن رشد؟ وهل لحية ملصوقة بالروبوت ومشلح ولغة عربية هي التي ستعطي هذا الانجاز هوية عربية وفخراً يبقي ذكرى ومجد العرب حيين؟ ابن سينا وابن رشد والخوارزمي، ليسوا عرباً لكنهم مسلمون، والعلماء العرب لم يكن ليبدعوا لولا أنهم نقلوا واستوعبوا وطوروا الحضارات السابقة لهم، مثل الحضارة الايرانية والهندية واليونانية، والعرب ايضاً ساهموا بالحضارة الغربية، حين كانوا جسراً بين الحضارة الاغريقية والغربية الحالية، هذه هي صيرورة التطور، أن تستفيد من التراكم، وتبني جسراً للمستقبل، لا أن تعيش في الماضي وتتنكر للمستقبل باسم الخوف من ضياع الهوية، وهو مفهوم لا يعرفه غير العرب وطريقهم إليه هو التشبث بالماضي. أكثر ما يقلقنا هو البعد عن هذا الماضي الذي صار هويتنا، وكل زيادة عليه نظنها نقصاً فيه، فاللغة الانكليزية التي هي لغة العلم اليوم هي تهديد للعربية لا اضافة لغوية ومعرفية جديدة، واللباس العملي الذي يدخل به الطبيب لغرفة الجراحة أو المهندس لميدان البناء هو تمزيق للزي العربي لا اضافة عملية لميدان العمل الحديث، وحتى تلك الازياء التي يفضلها الشباب لسهولتها وتستهلكها السوق العالمية كلها تعتبر خرقاً لصورتنا التقليدية وخفة لا تناسبنا. واحترام الاديان هو خيانة للدين لا معنى واسعاً لمعاني احترام العقل والانسانية التي هي جوهر الدين، حتى صار معنى الهوية ضيقاً وخانقاً ولا يمكن الانجاز من داخله، ولم ينتبه أحد إلى أن شاغل الهوية هو أزمة عربية يعيشها العرب وحدهم لا شريك لهم. لهذا فإن النتيجة هي أن ما نحظى به اليوم هو القشور والشكلانية تماماً مثل روبوت يقوم بمهمات عملية مهمة، يصنعها الغربي، نصيبنا منه هو الاسم والثياب، وهاتف محمول فنلندي نضع عليه صياح ديك أو دعاء خطيب، هذه الخلطة هي تقدير كاف وواف لعنوان حاضرنا البهيج. [email protected]