مطلع آذار (مارس)، أقرّ أحد المحلفين في هيئة فيديرالية تنظر في قضية مخدرات بفلوريدا الى القاضي انه قام، على الإنترنت، ببحث يتصل بالقضية، وانتهك تالياً تعليمات القاضي وقروناً من قواعد الإجراء الجزائي. وعندما سأل القاضي المحلفين الآخرين عن الأمر، فاجأه ان ثمانية محلفين من 12 صنعوا ما صنعه زميلهم. فلم يكن من القاضي ويليام جي زلوك إلا ان ألغى الدعوى، ورد السبب الى عيب في الشكل. وخسر الادعاء 8 اسابيع من الجهد، شأن محامي الدفاع. وقال أحد هؤلاء، بيتر رابان، «صعقنا الخبر». وكانت هيئة المحلفين ابلغته ان محامي الدفاع على وشك ربح الدعوى. «إنها المرة الأولى التي تؤثر فيها التكنولوجيا الحديثة على هذا النحو المباشر، وكان ذلك محيراً». ويجوز القول إنه إلغاء جراء غوغل أو لعلة غوغل. فالمحلفون حين يجمعون معلومات تتعلق بالقضية التي ينظرون فيها، أو يرسلون معلومات من هذا الصنف، يبثون الفوضى في الجهاز القضائي، ويتسببون في تعليق المداولات وقطعها، ويثيرون غضب القضاة. وفي اوائل الشهر نفسه، طلب ستوام هولدينغز، اسم شركة مواد بناء، الى محكمة في أركانساس العودة عن حكم يدين الشركة بتسديد 12.6 مليون دولار. وذريعة الطلب ان احد المحلفين ارسل، في اثناء المداولات، تعليقات على المحاكمة على «تويتر». وفي 16 آذار، طلب محامو فينسينت جي فيومو، وهو عضو سابق في مجلس شيوخ ولاية بنسلفانيا يحاكم في قضية فساد امام محكمة فيديرالية، إلغاء المحاكمة قبل التلفظ بالحكم. وذريعتهم هي تعليقات أرسلها احد المحلفين بواسطة «تويتر» «وفايسبوك». وذهب المحلف، على إنترنت، الى انه على وشك الإدلاء في 18 آذار ببيان هام. ولكن القاضي أمر بمتابعة المداولات، وقضت هيئة المحلفين بإدانة السيد فيومو. ويعد الدفاع العدة اليوم لطلب اعادة المحاكمة في ضوء رسائل الإنترنت. فالمحلفون يفترض فيهم ألا يحصلوا على معلومات مصدرها خارج قاعة المحكمة. وعليهم الانتهاء الى حكم من طريق الوقائع التي يحكم القاضي بقبولها، وترك الأدلة التي يحكم القاضي باستبعادها وببطلانها. ويسع المحلفون اليوم العثور على اسم محام على الشبكة، أو فحص مفترق طرق ألمح إليه احد الشهود على خرائط غوغل بواسطة هاتفهم الخلوي (أو النقال)، على خلاف قواعد إقامة الدليل المعقدة التي ينص عليها قانون المحاكمات. وإلى هذا، يسعهم ان يرووا الى اصدقائهم ما يحصل في قاعة المحلفين، على خلاف القانون الذي ينص بحفاظهم على رأيهم لأنفسهم، وللمداولات السرية. ويقع المحلف، اليوم، على معلومات كثيرة تتناول قضية ندب الى الجلوس في هيئة محلفيها، وذلك في اثناء تعليق جلسة للغداء، أو للذهاب الى المرحاض. فتشرح «ويكيبيديا» له تقنية طلب براءة اختراع، أو اعراض انحراف مرضي. وتتولى خرائط غوغل قياس الوقت الذي يقتضيه الانتقال من (أ) الى (ب) في السيارة. ولا يعصى مواقع استعلام جمع معلومات عن المتهم ومحاميه والخبراء المدعوين الى الشهادة تحت القوس. ويرى دوغلاس لي كين، رئيس الجمعية الأميركية لمستشاري القضاء، أن مراقبة إجراء المحاكمات أمست مستحيلة. والحق ان القضاة عدلوا التحذير التقليدي في شأن البحث عن معلومات في اثناء النظر في الدعاوى، وأدخلوا في الباب هذا البحث على الإنترنت. والمسألة أقرب وأدق حين صار في مقدور المحلف الاستعلام بواسطة هاتفه المحمول. فالمحامون يدرسون اليوم مدونات ومواقع المحلفين المحتملين. ويظن المحلفون انه في مستطاعهم بلوغ عدالة أكثر إحاطة بالقضايا وأطرافها، إذا هم تعقبوا اهل الادعاء والدفاع والمحلفين. ولكن قواعد إقامة الدليل، وهي ثمرة قرون من التجريب، تقضي بأن تقدم عناصر الاحتجاج والمرافعات بعد تولي الجهتين تدارسها، على ما يشرح اولين غي ويلبورن، استاذ القانون في جامعة تكساس. وهو يرى ان هذا، على وجه الضبط، هو ما يستحق المديح والتعظيم، وما يخسره نظام المحلفين إذا تولى هؤلاء مباشرة إقامة الدليل. * صحافي، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 27/3/2009، إعداد وضاح شرارة