سيطرت الولاياتالمتحدة على السوق العالمية للسيارات خلال القرن العشرين كله تقريباً، فكانت الطرازات تتحدد وفقاً لذائقة المستهلك الأميركي. ولكن، بعد الضربة الكبيرة التي أصابت قطاع تصنيع السيارات في الولاياتالمتحدة في ذروة الأزمة الاقتصادية الراهنة، بدأ المستهلك الصيني يحل محل نظيره الأميركي في التأثير في خطط الشركات. فكما كان المستهلكون حول العالم يرغبون في السيارات الرباعية الدفع حين يرغب فيها المستهلك الأميركي، هم اليوم يميلون إلى ما يميل إليه المستهلك الصيني، خصوصاً السيارات الموفرة في استهلاك الوقود وتلك المزودة بمقاعد خلفية مريحة. لقد فاقت مبيعات السيارات في الصين إياها في الولاياتالمتحدة، خصوصاً في الربع الأول من السنة الجارية، فالصين سبقت الولاياتالمتحدة وبلداناً متقدمة أخرى إلى التخلص من تداعيات الأزمة، وثمة مؤشرات تتداولها شركات تصنيع السيارات حول العالم تؤكد ان الصين ستصبح في المستقبل القريب رائدة القطاع في العالم. وتعكس رغبة الصيني في التوفير في الوقود واقع أنه ما يزال أقل دخلاً من نظرائه في البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة وضغط حكومة بكين باتجاه خفض الاعتماد على النفط المستورد. خفضت بكين السنة الماضية الضرائب إلى واحد في المئة على السيارات العائلية التي لا تتسع محركاتها لأكثر من 1.6 لتر للمحرك الواحد، فيما رفعت إلى 40 في المئة الضرائب على السيارات والشاحنات الصغيرة والمركبات الرباعية الدفع ذات المحركات الأكبر. وقفزت مبيعات السيارات الأصغر نتيجة لذلك، وارتفعت قليلاً مبيعات بعض السيارات الأكبر وانخفضت مبيعات البعض الآخر. وتنقل الشركات العالمية لتصنيع السيارات إلى الصين تقنياتها لتصغير المحركات إلى 1.6 لتر أو أقل مع تحسين الأداء. وتحاول "جنرال موتورز" الأميركية التي أقالتها واشنطن من عثرتها بأن ضخت فيها بلايين الدولارات توسيع مبيعات الطرازات الأقل استهلاكاً للوقود في العالم مع تركيز خاص على الصين. وهي تملك 34 في المئة من "وولينغ"، وهي شركة صينية لتصنيع الشاحنات الصغيرة والخفيفة التي تقطع 350 كيلومتراً في المدن في مقابل 20 لتراً من البنزين، على رغم أنها لا تلبي الشروط الأميركية للسلامة البيئية والأمان. وتسعى "جنرال موتورز" إلى زيادة حصتها في الشركة عن طريق شراء جزء على الأقل من حصة تساوي 16 في المئة تملكها بلدية ليوجو، وهي مدينة في أقصى جنوب الصين تتخذ منها "وولينغ" مقراً. وتحاول الشركة الأميركية جعل الشركة الصينية تبدأ بالتصدير، وليس بالضرورة إلى الولاياتالمتحدة. وإلى جانب التشجيع على خفض استهلاك الوقود، تشجع الحكومة الصينية استخدام الوقود البديل، ما عزز الاتجاه في الصين إلى تصنيع سيارات كهربائية تعمل على بطاريات قابلة لإعادة الشحن. ويرغب مسؤولون حكوميون صينيون في جعل بلادهم رائدة في هذا النوع من السيارات، وليست الرغبة ذاتها أقل لدى الشركات الغربية لتصنيع السيارات التي تستثمر في الصين. وبدأت "نيسان" اليابانية تجارب على سيارة كهربائية في الصين بناءً على إلحاح مسؤولين صينيين. كانت الشركات العالمية لتصنيع السيارات تصنع سيارات تناسب ذوق الأميركيين ثم تسوّقها هي ذاتها في العالم بعد استرداد الأكلاف من السوق الأميركية. وزادت هذه الشركات في شكل حاد إنتاج السيارات الرباعية الدفع في الثمانينات بناءً على هذا التوجه، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة كانت تفرض قيوداً أقل صرامة من الآن على هذه السيارات. اليوم، وإلى جانب التوفير في الوقود، يُتوقع أن تنتشر في العالم سيارات ذات مقاعد خلفية مريحة كما يرغب الصينيون بسبب عادتهم المتمثلة في الجلوس في الخلف فيما يقود السيارة سائق لا يكلّف أكثر من 440 دولاراً في الشهر.