ينذر نشاط حركات استيطانية يهودية متطرفة تسعى لتعزيز الاستيطان اليهودي في قرية البقيعة العربية في الجليل الأعلى (على مقربة من الحدود مع لبنان) بداعي أنها "بلدة يهودية على مر العصور"، باشتعال مواجهات جديدة بين العرب واليهود يحذر أهالي القرية من أنها ستلتهم الجليل كله. ويقطن في قرية البقيعة نحو 6 آلاف شخص، سوادهم الأعظم من أبناء الطائفة الدرزية، بالإضافة إلى عائلتين يهوديتين. وتجذب القرية إليها سياحاً يهود، يأتون لزيارة كنيس قديم أنشئ في وسط القرية عام 70 م، حين هرب يهود إلى القرية ونزلوا فيها. ويزور السياح أيضاً مدافن لحاخامات يهود. وفي القرية خلوة للموحدين الدروز وكنيستان قديمتان، إضافة إلى مواقع أثرية تشتهر بها البلدة. قبل عامين، في تشرين أول (اكتوبر) 2007، شهدت القرية مواجهات عنيفة بين سكانها والشرطة الإسرائيلية معززة بالقوات الخاصة، وذلك في أعقاب قيام شباب دروز من القرية بتدمير قن للدجاج يملكه مواطن يهودي، من سكان المستوطنة اليهودية المجاورة "بقيعين هحدشاه" (البقيعة الجديدة) المقامة على أراضي القرية المصادرة، احتجاجاً على قيام هذا اليهودي بنصب هوائية خليوية داخل القن يقول سكان القرية إنها تسببت في ارتفاع نسبة المصابين بينهم بالأمراض الخبيثة. وفوجئ الأهالي برد الشرطة العنيف وهم الذين اعتقدوا أن خدمة أبنائهم الإلزامية في الجيش الإسرائيلية ستردع الشرطة عن اللجوء إلى القوة المفرطة التي تستخدمها في العادة ضد المواطنين العرب من الطوائف الأخرى. واقتحمت الشرطة بمئات من أفرادها وعناصر "القوات الخاصة" و"حرس الحدود" القرية في منتصف الليل بحثاً عن المشتبه بهم في إحراق الهوائية، لكنهم جوبهوا بمقاومة عنيفة من أهالي القرية أدت إلى إصابة العشرات من الجانبين إصابات متفاوتة وإلحاق أضرار بالغة في الممتلكات. وتطورت المواجهات إلى قيام شبان باحتجاز شرطية تم الإفراج عنها بعد ساعات من المفاوضات وتدخل وجهاء دروز ومسؤولون كبار في الدولة العبرية، في مقابل الإفراج عن جميع المعتقلين في القرية. واعتبر كثيرون من أبناء الطائفة الدرزية الاعتداء على سكان البقيعة تأكيداً على أن السلطات الإسرائيلية لا تميز في قمعها المواطنين العرب بين انتماءاتهم الطائفية وأنها تتعامل مع الجميع على أنهم عرب مشيرين إلى حقيقة أن أراضي الدروز الملزمين، منذ 50 عاماً ونيف الخدمة في الجيش الإسرائيلي، لم تسلم من شر المصادرة لتقيم عليها مستوطنات يهودية متطورة، بينما بقيت بلداتهم تعاني شح الموازنات والموارد الحكومية. وكشفت أحداث 2007 أن عدداً من "الجيران اليهود" في "بقيعين هحدشاه" (البقيعة الجديدة) ليسوا سوى ناشطين في جمعيات استيطانية متطرفة جاؤوا إلى المنطقة للتمهيد لتوطين اليهود في قلب قرية البقيعة ونجحوا حتى الآن في شراء بيتين، بالإضافة إلى 20 بيتاً آخر اشترتها "الوكالة اليهودية" و"صندوق أراضي إسرائيل". وحالياً، يجري الكشف عن مخططات جاهزة لحركات استيطانية من مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلة، يعلن أصحابها على الملأ أنهم يريدون "إعادة المجد اليهودي للقرية" أو بكلمات أبسط تطهير القرية من سكانها العرب. وتتحرك هذه الجمعيات الاستيطانية لشراء بيوت في "البلدة القديمة"، في وسط القرية حيث الخلوة والكنيستان والكنيس اليهودي و"قبر الرابي شمعون بار يوحاي"، من خلال دفع مبالغ خيالية لأصحاب البيوت تصل أحياناً عشرة أضعاف سعر السوق. ويقول الحاخام شمعون فرويليخ من مستوطنة "كدوميم" في الضفة الغربية أنه وأترابه يجمعون تبرعات من متمولين يهود في أرجاء العالم "لشراء عشرات البيوت في البقيعة وإقامة بلدة يهودية كبيرة هناك". وسبق لفرويليخ أن أقام في القرية قبل أحداث اكتوبر 2007، لكنه لم يعد إليها بعد أن أُحرق البيت الذي أقام فيه. من جهته، يقول رئيس جمعية "بقيعين (البقيعة) للأبد"، موطي أيزك، إن "البقيعة ترمز إلى كل ما كنا نريد أن يكون في هذه البلاد: النفوذ اليهودي، السيطرة الفلاّحية على أراضي الدولة، أن لا نهاب الأغيار الذين يريدون سلبنا أرضنا... البقيعة بلدة يهودية بكل معنى الكلمة..كانت وستبقى دائماً.. يجب أن يسكتها عشرات العائلات اليهودية لكن تحقيق ذلك يحتاج إلى دعم من الحكومة. ومع الحكومة الصحيحة سننجح في مسعانا". من جهته يرد أحد وجهاء القرية، صالح خير، محذراً من تكرار محاولة مستوطنين يهود للسيطرة على البلدة القديمة، ويقول إن أزمة 2007 لم تُحل جذرياً "والأرض ما زالت تشتعل... عودة المستوطنين اليهود ستشعل المنطقة كلها... ستقع حرب. لن نسمح لأحد بأن يقرر لنا أجندتنا ولن نقبل بأن تصبح البقيعة الخليل الثانية (في إشارة إلى مدينة الخليل المحتلةجنوب الضفة الغربية حيث يعيث مئات المستوطنين في قلب المدينة دماراً وخراباً)". ويتابع: لن يكون موطئ قدم للأيديولوجيا المتطرفة... هذه حربنا الحقيقية". ويضيف مواطن آخر: أمامنا خياران، الموت أو الدفاع عن كرامتنا، ولا خيار آخر... التعايش (بين اليهود والعرب) هو خدعة كبيرة. إنه بدعة... ونحن نحذر من تكرار أحداث 2007".