ثمة جملة شهيرة تقول إن الوقائع تكاد تنطق أحياناً. ويقال ذلك عندما تصل الأمور الى نقطة عالية من الوضوح. وثمة من يقول أن الوقائع لا تنطق أبداً، وإن الأمر يعكس شدّة الاستغراق في قراءتها. إذاً، لنجرب. ماذا لو قارنا بين خبرين علميين وردا في اليومين الماضيين. أفاد الخبر الأول أن تصنيف شنغهاي السنوي للجامعات، الذي تصدرة جامعة "شنغهاي جياو تونغ" ويعتبر الأكثر موثوقية في الأوساط الاكاديمية العالمية، لم يتضمن سوى جامعة عربية وحيدة في قائمة أفضل 500 جامعة عالمياً! وتفرّدت "جامعة الملك سعود للعلوم والتكنولوجيا" بدخول هذا التصنيف، الذي يعتمد مؤشرات أكاديمية متنوعة. ماذا يعني هذا الغياب للعالم العربي الذي يضجّ بالجامعات، والذي انفجرت فيه أخيراً ظاهرة الجامعات الخاصة التي تتفاخر بالسير على خطى الجامعات الغربية، مع العلم أن الأخيرة تملأ مراتب هذا التصنيف؟ ألا تبدو واضحة الصلة بظواهر عدة أشارت الى فشل النظام الجامعي عربياً، مثل بطالة الجامعيين. ألم يكوّن هؤلاء ظاهرة ال"حيطتيس" (أي المستندون الى حوائط المباني) في الجزائر، مثلاً، التي أرهص ظهورها بتمزق النسيج الاجتماعي والوطني في ذلك البلد؟ وماذا عن الكلام الكثير الذي قيل عن تسلل تنظيم "القاعدة" الى صفوف هؤلاء، واغترافها منهم لصنع مجموعاتها الإرهابية؟ ونعود الى الوقائع "الناطقة"، للإشارة الى الخبر الثاني الذي يقول بأن الصين باتت تحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، في البحوث العلمية، وأن تقدمها الأبرز حدث في بحوث النانوتكنولوجيا والفضاء. والأهم أن الصينيين ضاعفوا بحوثهم في العقد الأخير، في وقت لم ترتفع فيه نسبته عند الأميركيين إلا بمقدار الثلث. وفي خبر متصل نُشر اليوم (الأربعاء)، أبدى البنتاغون قلقه من هذه الظاهرة، خصوصاً بالنسبة لبحوث الفضاء الصينية! قبل خمسين سنة، لم يكن البون شاسعاً بين الدول العربية والصين في العِلم. واستطاعت الصين أن تتجاوز المحن الهائلة التي مرت بها في فترة الحكم التسلطي لماوتسي تونغ، ومن ضمنها "الثورة الثقافية" الشهيرة. لقد استمر الحزب الشيوعي الصيني حزباً فرداً في حكم الصين، لكن حركة إصلاح سارت في أوصاله منذ سبعينات القرن الماضي. وفي قرابة ثلاثة عقود، وصلت الصين الى كونها دولة الصناعة الأولى عالمياً، والثانية في البحوث المتقدمة والمتطور، مثل النانوتكنولوجيا والفضاء. فهل الوقائع صامتة أم أنها تنطق فعلياً عن أحوال العرب حاضراً؟ وماذا قد يقول لسانها عن مستقبلهم؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال الممض، "نطق" خبر بالأمس، بأن العلم والتكنولوجيا هو السلاح الرئيس للولايات المتحدة، وهي القوة الأعظم عالمياً، فأي سلاح ووزن سيمتلكه العرب غداً؟ مجرد سؤال. [email protected]