عندما نشرت الصحف قبل فترة عن فكرة عمل 30 سعودية للعمل كعاملات منازل، لم أود أن أعلق على الموضوع وحسبته دعابة أو إثارة إعلامية لمواجهة فشل تأنيث محال الملابس النسائية الذي وِئِد في مهده كغيره من قرارات عمل المرأة في الأعمال والوظائف النسائية، ولكن بعد أن شاعت هذه الفكرة، وللأسف لاقت رواجاً إعلامياً واجتماعياً، فإن الكثير منها يؤيد عمل السعوديات كخادمات منازل، لم اتوقع أن يصل هذا التأييد والحال الى ما وصلت اليه، وفي المقابل جاءت الحملة المواجهة لذلك باطلاق »حملة المليون ايميل» على شبكة الانترنت من مجموعة فتيات سعوديات ليس لهن الا هذا الاحتجاج المؤدب! ليقول لا وألف لا لهذا الاقلال من وزن واهمية المرأة السعودية واطلقن صيحة مدوية وصريحة: »لن نعمل عاملات منازل»، ويجب غربلة نظام التقاعد واعادة النظر في سنوات التقاعد الباكر للمرأة وخفضه الى 15 عاماً والمتأخر 20 عاماً حتى يفتح المجال لتوفير فرص عمل جديدة لبطالة نسائية تصل الى 26.9 في المئة، خصوصاً انه، للاسف، ان 73 في المئة من العاطلات عن عمل يحملن شهادة البكالريوس! أعود الى لب الموضوع، هل نحن فعلاً في بلد من اغنى بلاد العالم، وبحمد الله الثروة النفطية جعلت الكثيرين يحسدوننا عليها، مضطرين الى تغيير التركيبة العمالية وكاسرين بعض الحواجز الاسرية والاجتماعية لغرض توظيف السعوديات كعاملات في المنازل ونحن ندرك الاوضاع الداخلية والاختلالات في بعض السلوكيات التي افرزتها لنا تجاربنا مع العاملات الاجنبيات وما يدور حولهن من مشكلات داخل الاسر والمنازل، هل نعي خطورة هذا الأمر على بناتنا، وإن كنت لا اعمم، وهناك فرص للعمل الشريف في كثير من المجالات وحاجة المرأة الى مصدر دخل لها ولأسرتها، ولكن يجب الا تكون في هذا المجال، وان كان المجتمع أو الدولة، بما حباها الله من امكانات ومقومات لفتح فرص عمل جديرة بالمرأة وتحافظ على كيان الاسرة وترابطها فعلى الله السلام! للاسف الذين طبلوا لهذا الأمر لم يدركوا حجم بقاء فتاة خارج اسرتها لتعمل مع اسرة غريبة في ظروف قد لا تمنحها الثقة والأمان، خصوصاً ان التجارب كثيرة، والأهم من ذلك لماذا دائماً نحصر ونقحم هذه المرأة المسكينة في قضايا وعمل لا تليق بها، أين نحن من وجود نحو 800 ألف ممرضة اجنبية في المملكة؟ لماذا لا تفتح المجال للفتيات السعوديات للدراسة ومن ثم العمل في هذه الوظائف الأكثر حاجة، لماذا بقيت البطالة النسائية في اعلى معدلاتها عالمياً ثم نخرج بهذا التصور والطرح الغريب! نحن السعوديين متناقضون فعلاً، لو أن هذا الذي أيد القرار بيده عمل اخته او ابنته او قريبته لرأيته ثائراً محتجاً! ولكنه يظهر الوجه الآخر! وهو للاسف الشديد وجه الانفتاح في الرأي والانغلاق في التطبيق! في حقيقة الأمر لا أرى اي داعٍ ولا مبرر أبداً لطرح هذه القضية ونحن نائمون على قضايا أهم وأقرب، أين عمل المرأة في المجالين الطبي والتعليمي، اذا كنا في بعض المجمعات النسائية نلجأ الى عمالة رجالية اجنبية هامشية في الصيانة وغيرها، هل الأولية ل »سعودة» العاملات المنزليات! أين هن من الاعمال الادارية والسكرتارية والحاسب وغيرها، وهي تكاد تختنق بالعاملات الأجنبيات، اين نحن من برامج الاسر المنتجة والعمل عن بعد وغير ذلك، قبل أن نخوض في اقحام المرأة في اعمال مثل هذه، يجب أن نقوم بالاستفادة من الدراسات التي اعدت في مجالات عمل المرأة ذات الأولوية وألا نركز على صغائر الأمور ونترك أهمها واكبرها، لقد اصبت بخيبة أمل عندما اطلعت على دليل إعلامي لدولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة وما احتواه من رؤية وفلسفة جديدة بتحويل فكر عمل المرأة الاماراتية، وهي التي تشكل 66 في المئة من قوة العمل الوطنية »نحن في المملكة لم تتجاوز 25 في المئة» من وظائف مهنية بسيطة مساندة الى وظائف قيادية وفي مراكز اتخاذ القرار، لنجد من يطالب ويفرض على السعوديات العمل كعاملات، ولا حول ولا قوة الا بالله.