تأثر ملايين العرب في الشرق الأوسط، وعدد كبير من الإسرائيليين، بخطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في القاهرة، في حزيران (يونيو) الماضي. فهو قال أن وضع الشعب الفلسطيني لا يحتمل، وإن حق فلسطين في الوجود لا ينكر، شأن حق الإسرائيليين في دولتهم. وبدا أن الرئيس الأميركي التزم ارساء السلام التزاماً شخصياً. وهو رفع مسيرته رمزاً للكفاح ضد الاستعمار، وللتوق الى المساواة. ولكن الأمور لم تجر على ما اشتهى أوباما. ففي صبيحة اليوم التالي، اثر القاء الخطاب، زار أوباما معتقل بوخنفيلد النازي بألمانيا، برفقة المعتقل السابق، ايلي فيزيل. وشنّ اليمين الإسرائيلي هجوماً عليه، واتهمه بأنه يتبنى الرأي العربي من أن دولة اسرائيل المعاصرة ولدت من رحم تكفير الغرب المسيحي عن المحرقة، وليست وليدة حق اليهود في العودة. وأفلح اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في تقويض صدقية أوباما بإسرائيل. فأوباما لم يتراجع عن طلب تجميد الإسرائيليين الاستيطان. واستغل نتانياهو موقف أوباما لتأليب الرأي العام الإسرائيلي عليه. فإدانة الاستيطان تجعل نصف مليون اسرائيلي في مثابة مجرمين دوليين. ويخرج طلب أوباما تجميد الاستيطان على عقد من السياسة الأميركية. فإدارات الرؤساء الأميركيين السابقين ميّزت الكتل الاستيطانية الكبيرة، في القدس وداخل حدود 1967، من المستوطنات «المزروعة» في قلب الضفة الغربيةالفلسطينية. وأسهم موقف أوباما في ميل الطرف الفلسطيني الى التشدد والعدول عن القبول بمبدأ مقايضة أراض لقاء المستوطنات. وعليه، رهن الفلسطينيون مباشرة مفاوضات السلام بتجميد الاستيطان. فمرّت أكثر من 9 أشهر على ولاية أوباما، ولم تستأنف المفاوضات. وتعاظم التوتر في محيط المواقع الدينية بالقدس. وحالت زيارات مبعوث الرئيس الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، وحدها دون انسداد أفق السلام. والحق ان انفراج مفاوضات السلام ممكن، وفي وسع الرئيس أوباما بلوغه. فالحوار الأميركي مع ايران احمدي نجاد بلغ مرحلة مفصلية. وطوال 15 عاماً، لم يكل نتانياهو عن التحذير من أن جمع ايران التطرف الديني الى الطموح النووي يتهدد الدولة اليهودية تهديداً «وجودياً». وهو يرى أن عودته الى رئاسة الوزراء في اسرائيل هي تكليف شبه الهي له بإنقاذ اسرائيل. وينظر عدد كبير من الدول العربية الى ايران النووية بعين القلق والخوف، شأن اسرائيل. ويمهد حل المشكلة الفلسطينية الطريق أمام بروز محور اعتدال بالشرق الأوسط يواجه الإرهاب الإيراني. ويسعى المجتمع الدولي الى وقف اجهزة الطرد في محطة مفاعلات نتانز. ولن يوفر المجتمع الدولي الوسائل الديبلوماسية والاقتصادية في سبيل بلوغ غايته. وفي حال لم تتجاوب ايران مع المساعي الدولية، قد يلجأ الى الخيار العسكري. وأوباما مدعو الى اقتناص الفرصة، ودخول التاريخ من باب ابرام «الصفقة الكبرى» بين العرب وإسرائيل. * رئيس تحرير «هآرتس» الإسرائيلية سابقاً، عن «أوبزرفر» البريطانية، 31/10/2009، إعداد منال نحاس