اختتم الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر مؤتمره السنوي السادس أمس بالانفتاح على الحوار مع «المعارضة الشرعية» لتحديد «أولويات الوطن»، لكنه بدا حريصاً على تأكيد وحدته في مواجهة استحقاقات برلمانية تمثلها انتخابات مجلسي الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري) في نيسان (أبريل) المقبل والشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. ويُوصف هذان الاستحقاقان بأنهما الأهم منذ إعلان الجمهورية في مصر، إذ سيتحدد وفقاً لنتائجهما من يحق له خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2011 والتي بدا أن الجدل حولها سيستمر العام المقبل في ظل إصرار الحزب الوطني على عدم توضيح أي مؤشرات بخصوص مرشحه لها والذي سيكون بالطبع الأوفر حظاً في الفوز بها وتأكيده أن استحقاق الانتخابات الرئاسية سابق لأوانه وأنه لن ينجرف للجدل الدائر في شأنها وسيركز على الانتخابات البرلمانية التي يعتبرها الأهم في المرحلة الحالية. ولوحظ أيضاً تشديد الحزب الوطني على رفض مطالبات بعض قوى المعارضة والجمعيات الحقوقية بوجود إشراف أو رقابة دولية على الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. وتمسك الحزب بما يحدده قانون مباشرة الحقوق السياسية من رقابة مؤسسات المجتمع المدني على هذه الانتخابات «تصويتاً وفرزاً». وعقدت على هامش اليوم الثالث الأخير من فعاليات المؤتمر السنوي ل «الوطني» أمس جلسات عدة لمناقشة قضايا الإسكان والمواطنة والديموقراطية والزراعة. واختتم المؤتمر بكلمة لرئيس الجمهورية رئيس الحزب الوطني حسني مبارك. وشهد اليوم الأخير للمؤتمر مطالبات برلمانيين من الحزب الوطني بمنع جماعة «الإخوان المسلمين» من «المشاركة السياسية». ولوحظ تركيز الحزب وقياداته في المؤتمر على القضايا الخدمية والاقتصادية والشؤون الحياتية والابتعاد قدر الإمكان عن الأمور السياسية، وهو ما فسّره قياديون في «الوطني» بالرغبة في مناقشة القضايا التي تنعكس في شكل مباشر على رجل الشارع أما ما يهم النخب في المجتمع فلا يجوز أن يستأثر بالنقاش في مؤتمر عُقد تحت شعار «من أجلك أنت»، في إشارة إلى المواطن. وقال الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف في ختام المؤتمر إن الحزب «مقبل على مرحلة مهمة من العمل يستعد خلالها لخوض استحقاقين نيابيين في غاية الأهمية نسعى فيهما إلى حصد الغالبية النيابية». واعتبر أن «المؤتمر كان من أهم المؤتمرات التي عقدها الحزب على رغم أنه مؤتمر سنوي، إذ سجل لمرحلة مهمة من العمل الحزبي نقدم خلالها ما تم إنجازه من البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك ونستعد لعام سياسي مهم». وأضاف الشريف في تصريحات إلى الصحافيين: «في كل دول العالم الديموقراطية من يمتلك الغالبية يشكّل الحكومة ويحكم ويقوم بتنفيذ رؤيته وسياساته ... لا نرغب في الحكم من أجل الحكم ولا الغالبية من أجل الغالبية وإنما نمتلك سياسات ورؤى عمل تصب في مصلحة المواطن واستقرار الوطن نرغب في تنفيذها»، مشيراً إلى أن «الحزب الوطني يتغير يوماً بعد يوم ... نعيد البنيان في كل يوم والصورة الذهنية للحزب متغيرة ومتجددة». وشدد على أنه «لا يوجد داخل الحزب الوطني ما يسمى الحرس القديم والحرس الجديد وإنما لدينا حرس واحد وحزب واحد ... قادمون على عام مهم فيه استحقاقات في غاية الأهمية لذلك نطرح رؤية محددة وواضحة». وللانتخابات البرلمانية المقبلة أهمية استثنائية، إذ ستكون حاسمة في تحديد المرشحين لانتخابات الرئاسة وفقاً للتعديلات التي دخلت على المادة 76 من الدستور المصري عام 2005 والتي وضعت قيوداً شديدة على الترشيح. فالترشيح للرئاسة بالنسبة إلى المستقلين بات يستلزم تأييد عدد محدد من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية للمحافظات. أما بالنسبة إلى الأحزاب فيستلزم خوضها انتخابات الرئاسة حصولها على نسبة 5 في المئة على الأقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشورى. لذا يسعى الحزب الوطني إلى عدم إتاحة الفرصة لجماعة «الإخوان المسلمين» على وجه الخصوص للفوز بعدد كبير من مقاعد البرلمان كما حصل في انتخابات 2005 ويتطلع لأن تحل «الأحزاب الشرعية» محل «الجماعة المحظورة». وتعهدت قيادات الحزب في مؤتمره بعدم تكرار تجربة عام 2005 وأكدت أن لا تفتيت للأصوات في الانتخابات المقبلة وهو ما كان ينتج عن منافسة أعضاء الوطني بعضهم بعضاً في الدائرة الواحدة. وأكد الحزب أنه سيخوض الانتخابات على «قلب رجل واحد» بمرشح واحد في الدائرة الواحدة. لكن قوى معارضة تقول إن «الانتخابات في مصر تزوّر» ولذا تطالب برقابة وإشراف دوليين على الانتخابات المقبلة لما لها من أهمية قصوى، وهو ما يرفضه الحزب الحاكم في شدة. وقال الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب الوطني جمال مبارك في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس إن هذا الأمر يحكمه القانون والدستور الذي أتاح لمنظمات المجتمع المدني الرقابة على الانتخابات. وأكد أمين التثقيف في الحزب محمد كمال ل «الحياة» أن الحزب يرحّب برقابة المنظمات الوطنية لكنه يرفض الرقابة الدولية، معتبراً أن إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات لا يمس نزاهتها. وقال: «معظم دول العالم لا يوجد فيها إشراف قضائي على الانتخابات ومع ذلك تكون نزيهة وحيادية». وعرض الأمين العام المساعد أمين التنظيم والعضوية والشؤون المالية والادارية في الحزب زكريا عزمي أمس ورقة عمل تحت عنوان «المواطنة والديموقراطية وحقوق الإنسان» أكد فيها ترحيب الحزب الوطني ودعمه لمنظمات المجتمع المدني المصرية في الإشراف على الاستحقاقات النيابية. وقال عزمي: «رسالتنا أننا نحاول مساعدة المواطن في المشاركة في الانتخابات». وتحدث وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية الدكتور مفيد شهاب عن الأجندة التشريعية التي سيطرحها الحزب الوطني على الدورة البرلمانية التي ستبدأ أعمالها الأسبوع المقبل. وشدد على حرص الحزب وحكومته على احترام حقوق الإنسان في عالم فرضت فيه قضية حقوق الإنسان نفسها. وقال: «على رغم ما حدث من تطور في هذا المجال ما زال لدينا عمل كبير لتطوير وترسيخ المفاهيم الحقوقية». وأشار إلى أن الأجندة التشريعية تشمل تعديل عدد من القوانين وطرح قوانين جديدة، غير أنه قال «إن تلك الأجندة تركز على الأبعاد الاجتماعية»، ولم يشر إلى طرح قانون الإرهاب الذي تعد الحكومة المصرية منذ فترة بعرضه على البرلمان وإلغاء حال الطوارئ. وانتقد برلمانيان من «الوطني» خلال لجنة «المواطنة والديموقراطية» عدم تنفيذ الحكومة لبعض القوانين ومنها حظر جماعة «الإخوان المسلمين». وطلبا منعها من المشاركة السياسية تنفيذاً لقرار الحظر ومصادرة أموالها التي قالا إن مصدرها التنظيم الدولي ومعاقبة مرشدها العام محمد مهدي عاكف على ما نقلته عنه صحف من تعد باللفظ عى أحد نواب «الوطني». ورد مفيد شهاب بأن «الحزب يحترم كل الآراء سواء إخوان أو غيره لكن حين يتعلق الأمر بنشاط فإن سلطات الأمن تتدخل»، مشيراً إلى أن الجماعة رفعت شعار «الإسلام هو الحل» في الانتخابات الماضية على رغم حظر العمل السياسي على أساس ديني ولم يتدخل الحزب الوطني كي لا يعتبر الأمر تدخلاً للتأثير على الناخبين. وبدا أن الجدل المثار حول الانتخابات الرئاسية في العام 2011 سيستمر العام المقبل، إذ قوبلت التساؤلات حول مرشح «الوطني» لهذه الانتخابات بصمت من الحزب الذي أعلن أن مؤتمراً خاصاً سيعقد قبل الانتخابات بفترة كافية لاختيار مرشحه الذي يرى مراقبون أنه الأوفر حظاً للفوز بها. واعتبر الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب الوطني جمال مبارك الذي تتحدث تقارير صحافية عن خطط لتوريثه الحكم أن «الجدل الدائر حول مستقبل انتقال السطة مشروع لكنه سابق لأوانه». وقال في مؤتمره الصحافي مساء أول من أمس: «بعض الناس يتحدث عن الرؤية ل (الانتخابات الرئاسية) في 2011 والبعض يتحدث بقلق ... هناك ضمانات دستورية واضحة لهذا الموضوع وطرح انتقال السلطة سابق لأوانه، والحديث حول هذا الموضوع (انتقال السلطة) مشروع والآراء المختلفة مشروعة لكن هناك إطاراً دستورياً، وإذا كان البعض قلقاً فإن هناك من يرى أن الإطار الدستوري كفيل بالتعامل مع هذا الموضوع». وفي رد على سؤال حول مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة المقبلة، قال جمال مبارك: «لا توجد أحزاب تعلن عن مرشحها للانتخابات قبل عامين ولدينا نظام مؤسسي لتحديد هذا الأمر وكيفية اختيار مرشح الحزب والأمر يخضع لإجراءات داخلية .... حين تحين الانتخابات الرئاسية نبدأ في الاستعداد لها وكيف وبمن نخوضها».