المرسوم الذي أصدره رئيس السلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري «مطلع العام المقبل»، ألقى بظلال كثيفة على مستقبل «المصالحة الفلسطينية»، ووضع عراقيل جديدة أمام جهودها، وزاد من حراجة المسألة دعوات فصائل منظمة التحرير لإجراء الانتخابات في موعدها، في تناقض صريح مع منطوق الورقة المصرية التي تحدد إجراء الانتخابات في 28 حزيران (يونيو) 2010، لقد وضع هذا المرسوم الأطراف كافة في موقف لا يحسدون عليه، وأصبح الجهد المبذول للم الصف الفلسطيني في عنق زجاجة الموقف الجديد، الذي جاء للضغط على «حماس» لإرغامها على التوقيع على الورقة المصرية بعد أن وقعتها حركة فتح كقيادة حريصة على المصالحة ومنسجمة مع تطلعات الشعب الفلسطيني وحلمه في عودة الوحدة الوطنية، وبهذا أضحت حماس في موقف حرج ليس من السهل عليها الخروج منه من دون تقديم بعض التنازلات. في المقابل اتسم موقف «حماس» بهذا بالتردد والخشية من الإقدام على عقد المصالحة وإجراء الانتخابات، لأنها - كما قال لي قيادي بارز في حماس - ستكون مزورة وتستهدف عودة فتح ورجالاتها لسدة الحكم في غزة، وتحجيم «حماس» ووضع قادتها رهن المعتقلات، وقد قدمت للرجل نصيحة تقول «إنه على رغم ذلك على حماس أن تقبل المصالحة إن ضمنت حقها في مقاومة الاحتلال والمشاركة في القرار على قاعدة تمثيلها في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، وأن خسارة موقتة لحماس ستكسبها تعاطف الجمهور الفلسطيني معها...». إن إرباك موقف «حماس» الذي ظهر في اختلاف لهجة خطاب السيد خالد مشعل ومضمونه، الذي تضمن رد فعل هادئ ومتزن على تأجيل تقرير «غولدستون»، وقوله «إن ذلك لن يمنع حماس من المضي قدماً في المصالحة»، وخطابه بعد ذلك في دمشق القديمة الذي كال فيه الاتهامات لرئيس السلطة وحركة فتح، وربطه بين تأجيل التقرير المذكور وبين عملية المصالحة يوضح الإرباك والتردد الذي اتسم به موقف «حماس» من توقيع وثيقة المصالحة، وقد ظهر ذلك واضحاً في حديث حماس عن عملية فصل لا معنى لها بين توقيت التوقيع وتوقيت الاحتفال بإنجاز العملية. كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس أصدرت تعميماً داخلياً يُلزم عناصرها بمنع أي قائد سياسي من حماس من مغادرة القطاع للتوقيع على الورقة المصرية، التي تتضمن إنهاء المقاومة وتحجيم حماس، من حق حماس تعديل بعض بنود الورقة المصرية مثل باقي الفصائل التي وضعت ملاحظات جدية وواضحة عليها، وبهذا فإن واجب الوسيط المصري احترام رغبة هؤلاء بإعادة النظر في هذه البنود، وكل ما نراه هو ثنائية بغيضة بين الفصيلين المتنازعين. يجب أن تبادر «حماس» بالعمل الجدي لعودة المصالحة وتقليل الخسائر، ولها أن تصر على مسألتين، الأولى ضمان حقها في المقاومة، والاحتفاظ بسلاحها ضمن صيغة متفق عليها، والأخرى ضمان الاعتراف العربي والدولي بنتائج الانتخابات، ما قاله قادة السلطة ورموز فتح بحق حماس الأيام الماضية، ورد حماس عليهم لا يبشر بالخير، وقد رأينا وسمعنا المؤتمر الصحافي لنائب رئيس المجلس التشريعي في غزة السيد بحر، والحدة التي اتسم بها بيانه في الرد على المرسوم الانتخابي. إن الاتفاق مجدداً على صيغة نهائية لورقة المصالحة وتوضيحها لن يستغرق الكثير من الوقت، وإذا جرى هذا الأمر فإن المرسوم الذي أصدره رئيس السلطة يصبح كأن لم يكن بغض النظر عن شرعيته أو إمكان تنفيذه، ولا قيمة حقيقية له إن اتفقت الفصائل سياسياً. «فتح والسلطة» في أمس الحاجة لدعم «حماس» في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والانحياز الأميركي لإسرائيل، كما أن حماس في حاجة للتفرغ لإعادة البوصلة تجاه مشروعها للمقاومة، وهي لن تستطيع بغير الوحدة الوطنية ومساندة أشقائها في فتح... إن استعادة الثقة أمر سهل ولن يتم في ظل الحملات الإعلامية المتوترة بين الطرفين، والشعب الفلسطيني يتطلع لتجاوز هذا القطوع المؤلم، فهل تحقق الشقيقتان «فتح وحماس» له هذا الحلم؟ [email protected]