تؤكد الناقدة السعودية أستاذة الأدب الحديث في جامعة الملك سعود الدكتورة ميساء خواجة، أن مشكلة الروائيين السعوديين تكمن في تناول قضايا وأمور لمجرد محاكاة أعمال حظيت بالشهرة ومن دون وعي، مشيرة إلى أن بعض الروائيات تحولت أعمالهن إلى مجرد هجوم على بعض القيم والمفاهيم، وأفلتت خيوط السرد من بين أيديهن. كما تلاحظ على الرواية النسائية انشغالها بالهجوم على الرجل لمجرد الهجوم وحصْره في أنماط معينة أو أفكار جاهزة، سواء كان ذلك في إطار رد الفعل أم البحث عن تلق جماهيري معين، لافتة إلى أن مثل هذه الأمور تسقط تلك الأعمال في النمطية، أو تحولها إلى مجرد صرخات وشكوى وتذمر ويصعب تسميتها روايات. وترى أن العلاقة الجدلية بين الناقد والمبدع دفعت بعض الكتاب للبحث عمّن يروّج لكتاباتهم. فإلى تفاصيل الحوار. بما أنك أكاديمية ومثقفة - والسجال ثائر حول الرواية في السعودية - ... ما الذي يلفت نظرك في هذه الرواية؟ وهل تعتبرينها فضائحية، مثلما يحلو للبعض القول؟ - الرواية عمل فني له طرقه، لكنها في الفترة الأخيرة بدأت تنحَى صوب التجريب على مستوى الشكل والمضمون. التجريب في حد ذاته عمل مشروع شريطة أن يمارس عن وعي وألا يكون للهدم أو التجاوز فقط. وقد لفتت نظري الرواية النسائية التي بدأت تضع لنفسها مكاناً في المشهد الثقافي السعودي، وهناك تجارب روائية تستحق الوقوف عندها على مستوى التذوق والتحليل. وما يقلقني هنا هو توجه كتاب وكاتبات كثر إلى تجربة الكتابة الروائية، وبعض الكاتبات يعترفن بأنهن كتبن رواية من دون أن يقرأن عملاً روائياً واحداً، وهنا يبدو فهمهن للرواية ضبابياً يتداخل فيه فعل الحكي مع كتابة رواية فنية، ومن ثم تتهافت هذه الأعمال أمام القراءة الجادة. ويلاحظ أيضاً أن عدداً من كتاب الرواية صار يتجه نحو خرق المحظور، وهو ما جعل بعض الدارسين يصفها بالأعمال الفضائحية، وله مبرراته في ذلك. وفي الحقيقة يصعب تعميم تلك الصفة، فتناول المسكوت عنه لا أراه عيباً في حد ذاته ما دام التناول فنياً ويخدم بنية العمل الروائية. المشكلة تكمن في تناول تلك الأمور لمحاكاة أعمال حظيت بالشهرة ومن دون وعي فقط، وهذه ما وقعت فيه بعض الروائيات اللاتي تحولت أعمالهن إلى هجوم على بعض القيم والمفاهيم، وأفلتت خيوط السرد من بين أيديهن. في رأيكِ... هل نجحت الأسماء التي جاءت إلى الرواية، من حقول أخرى، كالنقد والعمل الأكاديمي والطب والشعر؟ - الموهبة أمر لا يرتبط بالتخصص، ومن المعروف أن عدداً من الروائيين على مستوى العالم قد دخلوا إلى عالم الرواية من أبواب أخرى ونجحوا في ذلك. المشهد الثقافي السعودي لا يختلف في ذلك، المهم أن يدعم الروائي موهبته بالقراءة المتنوعة والجادة، القراءة الحقيقية التي تشكل الوعي والغنى المعرفي. عند التعامل مع العمل الروائي لا يُنظر إلى تخصص صاحبه ومجال دراسته، فالناقد معني أساساً بالبنية الفنية وآليات السرد والطريقة التي يتعامل معها الكاتب مع تلك الآليات. هل تشدُّكِ الرواية النسائية؟ وهل فعلاً كل هدفها الدفاع عن المرأة والهجوم على الرجل؟ - لفت نظري روايات نسائية عدة، وهي تختلف في ما بينها، فليست كل الروايات معنية بالدفاع عن المرأة. المرأة حين تكتب مشغولة بهمومها وهذا أمر مشروع، لكني لا أميل إلى حصر الكتابة النسائية أو تصنيفها في مواضيع محددة. يلاحظ أن عدداً من هذه الروايات بات مشغولاً بالهجوم على الرجل من أجل الهجوم عليه، ومن ثم حصره في أنماط معينة أو أفكار جاهزة، سواء كان ذلك في إطار رد الفعل أم البحث عن تلق جماهيري معين. مثل هذا الأمر يسقط تلك الأعمال في النمطية أو يحولها إلى صرخات وشكوى وتذمر، فيصعب حينئذٍ تسميتها روايات. كيف ترين المشهد الثقافي السعودي. وما علاقتكِ به؟ - المشهد الثقافي السعودي غني ومتنوع وفيه تجارب غنية. وكأي مشهد ثقافي يمكن أن تجد فيه الغث والسمين، وهذه ظاهرة صحية، فالأعمال الجيدة هي التي تثبت أمام القراءة الجادة وتستطيع أن تجد لنفسها مكاناً مميزاً على مر الزمن. ما يلاحظ هنا هو وجود طفرات لا تنتج عن تراكم معرفي، ومن ثم نجد ظاهرة العمل الواحد الذي يسكت صاحبه بعده. أما علاقتي به فهي علاقة دارسة تحاول أن تختار نماذجها وأحاول التنويع بين الرواية والشعر في دراساتي. أنتِ عضو في اللجنة النسائية في نادي الرياض الأدبي... ما أبرز ما قامت به هذه اللجنة؟ وهل تواجهها تحديات أم أن كل الأمور تسير بسلاسة؟ - اللجنة النسائية في نادي الرياض الأدبي لجنة فاعلة في حدود ما يتاح لها من إمكانات، وفي حدود الهيكل التنظيمي الحالي للأندية الأدبية. كنت وما زلت لا أميل إلى مسمى «لجنة نسائية» إذ إنه يحصر المرأة في إطار معين ويقصرها على نشاطات محددة. نحن في نادي الرياض نعمل الآن في إطار لجان موحدة هي لجنة بيت الشعر ولجنة السرد والترجمة وغيرها، ونقوم بتنظيم النشاطات بشكل متكامل. لا أنكر أن هذه اللجنة تواجهها تحديات كتلك التي تواجه كل اللجان النسائية في الأندية الأدبية الأخرى، من أهمها غياب تلك اللجان عن مجالس الإدارة ومن ثم غيابها عن مركز فعل القرار، وهو ما يضعها في موضع المستقبل أو يقصر دورها في تنظيم النشاطات المنبرية فقط. الأمر الآخر هو غياب هيكل تنظيمي واضح يحدد دور اللجنة النسائية ومدى صلاحياتها، ومن ثم يحدث التفاوت ما بين نادٍ وآخر في تفعيل دور المرأة، حيث يُترَك الأمر لاجتهاد رؤساء الأندية. حصل الكثير من السجال حول اللجان النسائية في غالبية الأندية الأدبية... إلى ما تعزين هذا السجال، إلى تحكم الرجال بصنع القرار أم إلى أن النساء بطبعهن يحلمن كثيراً؟ - مرَدُّ هذا السجال - كما أشرت - إلى غياب هيكل تنظيمي واضح، ومن ثم تتداخل الصلاحيات وتترك للاجتهادات الفردية. انفراد الرجل بصنع القرار يفسح مجالاً خصباً لمثل هذا السجال ويحصل تعارض قوي ما بين الإرادات. لا أميل إلى التصنيف النمطي للمرأة ومعاملتها وفق أفكار مسبقة وجاهزة. ليس حلماً أن تطمح المرأة إلى ممارسة دور حقيقي في المشهد الثقافي، فمن حق الإنسان من حيث هو إنسان أن يكون له دوره بغض النظر عن جنسه أو هويته. والمرأة المثقفة قادرة لها دورها ولها رؤيتها وتستطيع أن تحقق رؤاها وتطلعاتها متى ما أعطيت الفرصة الحقيقية التي لا تكون حبراً على ورق لا غير. هل تعتقدين بأن نادي الرياض الأدبي قدّم نشاطات تليق به نادياً أدبياً للعاصمة السعودية؟ - نادي الرياض الأدبي له نشاطاته المميزة، وله تجارب رائدة كتخصيص ملتقاه للنقد الأدبي، وتجربة عرض الفيلم السينمائي، وجائزة كتاب العام، إضافة إلى تجربة نشر الكتاب الأول والأسابيع الثقافية المتعددة، وفي معرض الكتاب الأخير قدّم عدداً جيداً من الإصدارات الجديدة. النادي ما زال يحاول دعم المشهد الثقافي السعودي وأن يمارس دوره الفاعل. قد يكون حجم الطموح كبيراً وحجم المتوقع أكبر، لكنني دوماً لا أميل إلى تسليط النظر على السلبيات، فدعم الإيجابي وتثمين الجهد يعزز الفعل أكثر، هذا مع وعي الإشكاليات وتدارسها والبحث عن حلول موضوعية وواقعية لها. كيف ترين تفاعل الأستاذة الجامعية مع المشهد الثقافي؟ - هناك أستاذات جامعيات عدة يتفاعلن بشكل واضح مع المشهد الثقافي، فمنهن ناقدات مميزات وشاعرات وروائيات وعضوات في الأندية الأدبية. لا أستطيع أن أنكر قلة مساهماتهن قياساً إلى مساهمات الرجل، ولعل ذلك يرجع إلى وضع المرأة في المجتمع وتعدد الواجبات الملقاة على كاهلها. المرأة تحارب على جبهات متعددة من أجل إثبات وجودها وممارسة دورها. نقاد يلمعون تارة، ويجرحون تارة أخرى في نقدهم... هل من معادلة يجب أن يطبقها الناقد في أعمالهم؟ وهل للعلاقات الشخصية دور بارز في التلميع أو التجريح؟ - من الصعب الحديث عن آليات موحدة ومعادلات ثابتة عند تناول النص الأدبي، إذ يظل هناك اختيارات عدة تحكم الناقد عند القراءة وقبلها، حتى عندما لا يدرك أنه يقوم بتلك الاختيارات. وعندما يشرع الناقد في قراءة النص فإن معايير وضوابط أخرى تنطلق من النص، ومن دون التفاعل بين هذين الأمرين تغدو القراءة تهويماً بعيداً عن النص أو إقحاماً لمعايير خارجية أو لأيديولوجيا القارئ وتصوراته المسبقة. إن ما تصفه ب«التلميع أو التجريح»، ليس نقداً، بل هي قراءات خاصة مدفوعة بعوامل شخصية. وللأسف فإن هذه العلاقة الجدلية بين الناقد والمبدع قد تدفع بعض الكتاب للبحث عمن يروج لكتاباتهم، أو بعض الدارسين للانسياق وراء عوامل شخصية أو مفاهيم مسبقة. هذا أمر لا يمكن تعميمه، فالناقد الحقيقي تحكمه اختياراته الفنية والمعرفية في المقام الأول، والاختلاف قائم ما دامت المنطلقات والمفاهيم مختلفة، شرط ألا يتحول الأمر إلى خلاف أو إلى خوض في المناطق الشخصية.