استطاع المخرج ومصمّ الرقص رضا عبد العزيز أن يجعل صوت الذين لا صوت لهم مسموعاً، عبر فرقة «الصامتون» الفنية الاستعراضية. فهي فريدة من نوعها، أولاً لكون أفرادها من الصمّ والبكم الذين لم يبلغوا الثمانية عشرة عاماً بعد. وثانياً لتميّز أعمالها التي تحاكي فلسفة الحياة من دون النطق ببنت شفّة. ومن أبرز أعمالها «أجنحة صغيرة»، و «دموع الفرح»، و «نيران صديقة». يعيش عبد العزيز ويعمل في مدينة المحلة في قلب الدلتا المصرية. وتتبنى فرقته فكرة التواصل بين ذوي الحاجات الخاصة من الصم والبكم وبين الذين أنعم عليهم الله بالنطق والسمع، من خلال الرقص والأداء الحركي. واتجه عبد العزيز إلى تأسيس الفرقة عندما لاحظ أن العروض المسرحية التي يقدمها الصم بلغة الإشارة الخاصة بهم لا تحقق التواصل والتفاهم الكامل. ففكر في أسلوب جديد لتحقيق هذا التواصل على طريقة الموسيقار العالمي بيتهوفن الذي ألف أروع موسيقاه بعدما صار أصمّ. واعتمد في تدريب أفراد الفرقة «على أسلوب الاتصال العظمي وهو عبارة عن تحويل النغمات الموسيقية إلى ذبذبات يحسها الصامتون عوضاً عن سماعها». واستطاعت فرقة «الصامتون» أن تُحقّق نجاحاً جماهيرياً وفنياً وإعلامياً واسعاً، قلما حققته فرق أخرى بتجربتها الفنية الإنسانية الفريدة والمبهرة. ظهر ذلك بوضوح من خلال مشاركتها في مختلف المهرجانات الدولية والقومية منها المهرجان الدولي السابع للرقص المسرحي الحديث على المسرح الصغير في دار الأوبرا المصرية، ومهرجان «اليوم العالمي للمعوّق» في المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة. كما أشاد بها كثيرون من المتخصصين والمهتمين في مجال المسرح الاستعراضي في مصر والخارج. تأثر عبدالعزيز بأعمال مصممة الرقص الألمانية الراحلة حديثاً بينا باوش. لفتته عروضها وطريقة اشتغالها على الجسد. فوجد نفسه ينتمي الى فلسفتها وطريقتها في الأداء، خصوصاً أنها صاحبة نظرية «كل جسد يمكنه أن يرقص». فاستند في تجربته الفريدة هذه، الى هذه النظرية بعدما اعتمدت أسلوب الاتصال العظمي الذي ابتكره الفنان العالمي بيتهوفن، وتطوّره ليتناسب وطبيعة الصمّ والبكم. ويشير عبد العزيز ألى أن «بينا باوش هي معلمتي الحقيقية رغم عدم لقائنا وجهاً لوجه، إلا عبر الإنترنت. وأشادت بتجربتي مع «الصامتون» ووصفتها بأنها انقلاب فني وقفزة هائلة للرقص المسرحي». ماذا تحتاج فرقة «الصامتون» لتستمر ويتضاعف نجاحها؟ يقول عبد العزيز: «ينقصنا الدعم المالي السنوي لإنتاج مزيد من العروض، تحملت المسؤولية كاملة بمفردي منذ خمس سنوات وهو عمر الفرقة حتى الآن. كنت خلالها منتجاً ومخرجاً ومصمماً لكل عروضها على أمل أن نعثر على الدعم المناسب من الجهات الرسمية». ويأسف لعدم وجود هذا الدعم من «وزارة الثقافة المصرية التي تتجاهل نجاح فرقة وحيدة فريدة من نوعها وتعد إضافة كبيرة للثقافة المصرية على هذا النحو». ويكشف عبد العزيز أن من أكبر الصعوبات التي تواكب الفرقة هو نجاحها غير المسبوق، إذ «أصبحت مطمعاً لبعض المسؤولين في وزارة الثقافة وهم السبب الرئيس في عدم حصولها على الدعم المالي حتى الآن. فهم يريدون الاستحواذ على الفرقة والسطو على نجاحها». وتحاول الفرقة أن تفتح الكثير من قنوات الاتصال مع مختلف المراكز الثقافية والأوروبية في القاهرة للحصول على دعم مادي، بل تحاول خلق قاعدة من التعاون المشترك من أجل تعميم تلك التجربة ونقلها إلى بلدان أخرى. ويبدو عبد العزيز يائساً من الإهمال الرسمي إذ يُفكّر «في الرحيل إلى بلد آخر يحتويني ويوفر الدعم والاهتمام الذي يليق بهذه الفكرة»، في حال استمرت الأحوال على ما هي عليه.