قال وزير الداخلية السوداني المهندس إبراهيم محمود إن «لا مجال الآن للوصول الى السلطة بالقوة» في بلاده، لأن «الدولة تطرح برنامجاً ديموقراطياً للتداول السلمي للسلطة».وفي حديث الى «الحياة» أثناء زيارته قطر، اتهم أحزاب المعارضة التي هددت بمقاطعة الانتخابات في حال عدم تعديل بعض القوانين بأنها «تطرح ذرائع حتى لا تقوم الانتخابات»، وشدد على أننا «ملزمون دستورياً بإجراء الانتخابات» المقررة العام المقبل. وفيما أوضح أن الحزب الاتحادي الديموقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني وجماعة «أنصار السنّة» و «الأخوان المسلمون» وأحزاب أخرى تؤيد ترشيح البشير لانتخابات الرئاسة المقبلة، أعرب وزير الداخلية السوداني عن اعتقاده بأن «الرئيس البشير هو الأوفر حظاً» للفوز في انتخابات الرئاسة. وفي شأن الخلافات بين شريكي الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، نوّه بالنائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير مياريت، لكنه اتهم «بعض الأخوة في الحركة الشعبية» بأن لديهم «اجندة أخرى غير اجندة الحركة الشعبية»، وقال إن العلاقة بين الحزبين «ضرورية للتحول الديموقراطي». واعتبر أن لا حرب في دارفور الآن وأن المناخ ملائم الآن أكثر من اي وقت مضى للتوصل الى اتفاق سلام عادل ينهي الأزمة فيها. هنا نص المقابلة: قضية الساعة تتمثل في إعلان الوساطة القطرية تأجيل الجولة المقبلة لمحادثات دارفور بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة الى 16 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، كيف تنظر الى هذه الخطوة، وما طبيعة الاستعدادات الحكومية للجولة المقبلة؟ - أعتقد أن دارفور الآن تسير بنفسها على طريق الحل، وقد اتضح من تقارير الأممالمتحدة، ومن تقارير المبعوث السابق للولايات المتحدة (لدى السودان)، والمبعوث الحالي للاتحاد الأفريقي أنهم مقتنعون بأنه لا توجد حرب في دارفور الآن، لكننا محتاجون الى الجلوس (حول طاولة المفاوضات) لحل المشكلة السياسية. الحكومة ملتزمة تماماً، ونعتقد أن اتفاق السلام الشامل الذي وقع في وقت سابق، حسم القضايا الأساسية وهي القضايا المتعلقة بقضايا الحكم وتقسيم الثروة، وأعتقد أنه لن يؤتي بجديد، لكننا ملتزمون الوصول الى اتفاق (في محادثات الدوحة)، ونأمل أن يتم الوصول الى سلام عادل ومرض للجميع. وبالنسبة الى اتفاقية السلام الشامل وما أرسته من قواعد لمستقبل السودان كانت هناك تفاصيل تخص دارفور وهي مقنعة تماماً لكل المجموعات، لكن أعتقد أن هناك أيادي حاولت ألا يتم السلام في دارفور، والآن المناخ مهيأ للوصول الى سلام إن شاء الله. هناك تحفظات أبدتها بعض الحركات المسلحة في دارفور، وعلى سبيل المثال تطالب «حركة العدل والمساواة» بتطبيق اتفاق حسن النيات وبناء الثقة الذي وقع في قطر مع الحكومة السودانية، وهناك خلاف بين الحكومة والحركة حول إطلاق سراح محكومين من الحركة كما نص اتفاق الدوحة. - إذا كان المقصود المتمردين الذين هاجموا المواطنين في أم درمان (خلال عملية عسكرية لحركة العدل في وقت سابق)، فهؤلاء ليسوا أسرى، بل مجرمون وفقاً للقانون الدولي، والأمر الآن أمام القضاء، ولا يمكن أن يتم إطلاق سراحهم كأسرى وهم هجموا على مدينة وعلى مدنيين. لا بد من أن يكون الفيصل هو القضاء، لكن إذا تم الوصول الى اتفاق يأتي الحديث عن هذه المسألة (إطلاق المحكومين)، أنا لا أعتقد انه إذا كان هناك اتفاق سياسي سيتحدث الناس عن أسرى. دعنا نصل الى اتفاق سياسي، وإذا كان هَمّ الحركات فقط هو إطلاق سراح الأسرى فستكون هذه مشكلة حقيقية. هل تعتقد أن حقائق الواقع في دارفور على الأرض تساعد على التوصل الى اتفاق شامل ونهائي لأزمة دارفور؟ - أعتقد ذلك، أولاً هناك قناعة تامة من أهل دارفور بأنه كفى دماراً وحرباً وأن لا بد من سلام في دارفور، وهذا ملاحظ الآن في الاستقرار القائم في دارفور، والأممالمتحدة نفسها أعلنت أن الحال في دارفور ليست حال طوارئ وليست حال حرب من ناحية الأمن، لذلك أعتقد أن الجو في دارفور مهيأ الآن أكثر من أي وقت مضى. هناك قناعة تامة لدى معظم أهل دارفور برفض الحرب كحرب، ولذلك أعتقد أن اي حركة (دارفورية) لا تأتي للسلام ستخسر في الأيام المقبلة، لأن المناخ العام والاتجاه العام والرأي العام لدى أهل دارفور هي مع السلام وليست مع الحرب والدمار. وكيف تنظرون الى الدور القطري؟ - هو دور مقدر جداً، وقطر لها تجارب (وساطة) سابقة في لبنان ونتوقع بما لديها من علاقات وثيقة مع مختلف الأطراف المختلفة بمعاونة الوسيط الأفريقي الدولي جبريل باسولي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي أن تصل الى اتفاق سلام حول دارفور إن شاء الله. وكما قلت لك، فإن قواعد اتفاق السلام الشامل موجودة ولم يتبق إلا رفض العنف في الممارسة السياسية، والآن فإن الدولة تطرح برنامجاً ديموقراطياً لتداول السلطة سلمياً، ولذلك لا مجال الآن للوصول الى السلطة بالقوة أو بالعنف. أشرت الى موضوع التداول السلمي للسلطة وتعني الانتخابات المقبلة، لكن هناك خلافات بين الحكومة والمعارضة حول شروط تهيئة الأجواء للانتخابات، فكيف تجرى انتخابات في ظل تلك الخلافات؟ - الأحزاب التي كانت تنادي بالتحول الديموقراطي والانتخابات تريد الآن حكومة قومية من دون انتخابات، وهذا هو أساس المشكلة، وإذا كانت تعارض كل هذا الزمن من أجل الديموقراطية والانتخابات وأخذ رأي الشعب، فلماذا تريد الآن الوصول الى السلطة من دون انتخابات. نحن دستورياً ملزمون بإجراء الانتخابات، وباتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، وكذلك ملزمون باتفاقيات الشرق والقاهرة وأبوجا، في كل هذه الاتفاقات نحن ملزمون بإجراء الانتخابات التي دعت الى أن يكون الشعب السوداني هو مصدر السلطة. ولذلك نحن نعتقد أن أي حديث عن رفض الانتخابات هو مؤشر الى عدم ثقة بعض الأحزاب في جماهيرها. أحزاب المعارضة ترى أن هناك قوانين مقيدة للحريات وتطالب بتعديلها حتى يتم تمهيد الأجواء للانتخابات، وحتى الحركة الشعبية لتحرير السودان تهدد باللجوء الى الشارع في حال عدم تعديل أو إجازة بعض القوانين؟ - في رأينا ان كل هذه ذرائع حتى لا تقوم الانتخابات، قانون الصحافة تمت إجازته ورفعت الرقابة وقانون الأمن أجيز في مجلس الوزراء والآن في المجلس الوطني (البرلمان)، والاستفتاء موعده في ،2011 لكن أحد شروط الاستفتاء أن تكون هناك حكومة منتخبة في جنوب السودان حتى تكون ممثلة لأهل جنوب السودان وترعى الاستفتاء الذي سيعبّر عن رأي الشعب حول الوحدة أو الانفصال، ولذلك نحن نرى أنه لم تبق هناك قوانين لاتخاذها ذريعة من أحزاب المعارضة حتى لا تخوض الانتخابات. أما مقولة وجود قوانين مقيّدة للحريات، فإن كل القوانين مقيدة للحريات، إلا إذا أرادوا بلداً من دون قوانين فهذا شيء آخر، والقوانين التي يتحدثون عنها تم تعديلها وتمت إجازتها أو هي في إطار العمل لإجازتها. العلاقة بين شريكي الحكم (حزبا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) تشهد حالياً حال شد وجذب، الى أين يتجه سيناريو الخلافات والعلاقة بين الجانبين؟ - أعتقد ان العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ضرورية لهذه المرحلة ولاستقرار السودان وضرورية لتنفيذ الاتفاق (اتفاق نيفاشا الذي أوقف الحرب في الجنوب)، كما أنها علاقة ضرورية للتحول الديموقراطي وللتداول السلمي للسلطة. عموما أرى أن لا فكاك من علاقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهذا ما يراه المؤتمر الوطني، وهذا ما يراه على الأقل النائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت وبعض الاخوة في الحركة الشعبية. وهناك بعض الاخوة في الحركة الشعبية لديهم أجندة أخرى غير أجندة الحركة، ومن مصلحة الحركة أن تكون لديها علاقة قوية مع المؤتمر الوطني لتنفيذ اتفاق السلام، وللمضي بالسودان قدماً نحو الاستقرار والأمن إن شاء الله. حزب المؤتمر الوطني رشح الرئيس عمر البشير لدورة رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة. هل تتوقعون مرشحاً منافساً للرئيس من الحركة الشعبية لتحرير السودان أو من الأحزاب الأخرى؟ - الرئيس البشير له الحظ الأوفر بين كل المتوقعين لترشيح لرئاسة الجمهورية، ونعتقد أن هناك إجماعاً من معظم أحزاب السودان على ترشيح البشير، وهناك قاعدة كبيرة ترى في الرئيس البشير رمزاً لعزة وكرامة السودان ورمزاً لانطلاق السودان ورمزاً لبناء الاقتصاد السوداني بالصورة التي نلحظها الآن. لذلك هو الأوفر حظاً في تقديري للفوز في انتخابات الرئاسة، وهناك أحزاب كبيرة لا تمانع من أن يرشح البشير مرة أخرى، وحزب المؤتمر الوطني ليس لديه مانع في التفاهم مع تلك الأحزاب. وهل جرت اتصالات مع بعض الأحزاب في شأن موضوع دعم ترشيح البشير؟ - نعم. هناك أحزاب اتصلت بحزب البشير وهي تؤيد ترشيح البشير، ومنها الحزب الاتحادي الديموقراطي وأحزاب أخرى. هل تعني الحزب الاتحادي الديموقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني ومن هي الأحزاب الأخرى؟ - أعني الحزب الاتحادي الديموقراطي وبعض الأحزاب المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الحالية) وبعض الجماعات المؤثرة مثل جماعة أنصار السنّة والأخوان المسلمين. أعتقد أن هناك إجماعاً كبيراً على ترشيح البشير لقيادة السودان في المرحلة المقبلة نحو الاستقرار والأمن والتنمية إن شاء الله. في شأن مشكلة المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بتسليم الرئيس البشير لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، هل تجاوزتم هذه المشكلة، أم تتوقعون إثارتها مرة أخرى أثناء فترة الانتخابات؟ - هي أصلاً مشكلة مفتعلة ليس لها أساس، والمحكمة ليست محكمة للقانون والعدل، فالعالم كله يعرفها، أفريقيا وكل العالم يعرفها ولذلك جاءت تلك الوقفة المشهودة من كل العالم الحر مع الرئيس البشير، هذه المحكمة (الجنائية الدولية) لا تحاكم الجندي الأميركي ولا المسؤول الأميركي. هذه المحكمة حتى الاتحاد الأوروبي أصدر قراراً بألا يحاكم فيها مواطن أوروبي، هي محكمة للضعفاء ولأجندة سياسية ليست لها علاقة بالعدل أو القانون، ولذلك ستموت، ونحن دائماً نقول دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة إن شاء الله، وهي (المحكمة) فورة باطل انتهت كما ينتهي الباطل بالسرعة نفسها. نلاحظ أن هناك تهدئة في العلاقات الأميركية - السودانية، هل تعتقدون ان إدارة الرئيس أوباما ستواصل الحوار مع السودان؟ - أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك تعاون الآن مع الإدارة الأميركية مبني على مصالح البلدين، وهذا لم يبدأ الآن، لقد وقف ناتيوس الذي كان ممثلاً للرئيس الأميركي في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي وذكر انه ليست هناك حرب في دارفور الآن أو عنف وأن العنف هو في تشاد. كذلك المبعوث الأميركي الجديد الى السودان غريشن وكل الإدارة الأميركية تسير الآن على طريق رفض الدعاوى التي رفعتها المنظمات اليهودية من خلال «سيف دارفور» والتي حاولت أن تعبئ الرأي العام الداخلي في أميركا لخدمة أغراضهم الخاصة ضد السودان واتخاذ دارفور كذريعة. وبحسب تقارير المنظمات الغربية، فإن عدد القتلى في الكونغو الديموقراطية بلغ3.9 مليون شخص ولم يتحدث أحد هناك عن ذلك لأن المصالح الاقتصادية كانت هي المسيطرة على الأمور، ولأن المصالح السياسية والتآمر على السودان كانا المسيطرين. فقد حاولوا أن يعولموا دارفور في ستة أشهر تقريباً، وهذا لم يحدث في أفريقيا من قبل، وكل هذا كما قلت هيجان للباطل سيزول بسرعة إن شاء الله. وهل يشهد الموقف الأوروبي تحولاً كما جرى مع الموقف الأميركي؟ - الآن يوجد تغير في كل العالم كله وقد أدرك العالم أن تلك الحملة التي قادتها المنظمات الدولية من خلال «سيف دارفور» هي حملة جائرة ظالمة، وقد بدأ صحافيون في العالم يكتبون ان تلك الحملة غير عادلة وكاذبة بمعنى الكلمة، وأنها حملة حاولت أن تستغل عواطف الناس وهذا ما تفعله الآلة الإعلامية الضخمة. وهل من جديد في العلاقة السودانية - التشادية؟ - السودان يسعى دائماً الى علاقة متميزة مع تشاد، والشعب التشادي شعب شقيق والعلاقة في الأصل بين البلدين ينبغي أن تكون أخوية لأن الشعبين شقيقان، والعلاقة على مستوى المسؤولين في البلدين تمتد جذورها الى علاقات أسرية وليست علاقات بين دولتين. نحن لا نرى سبباً وجيهاً لتوتر العلاقات بين تشاد والسودان، بل يسعى السودان الى تكامل مع كل دول الجوار، والآن نحن نمد الطرق الى أثيوبيا وأريتريا ومصر ونسعى لمد الطرق الى غرب أفريقيا. نحن نعتقد أن الذي وحّد أوروبا بعد موت عشرات الملايين في الحربين العالميتين الأولى والثانية هي المصالح، ونرى أن الدول الأفريقية يجب ان تلتفت الى أن تحقيق المصالح أهم من اجترار المرارات، ولا بد من أن ننطلق (نحو تكامل بين الدول الأفريقية) وهذا هو رأي الحكومة السودانية واستراتيجيتها نحو تكامل مع دول الجوار في محيطنا الإفريقي والعربي. الحكومة السودانية أصدرت جوازاً جديداً خلا من عبارة في الجواز القديم كانت تشير الى صلاحيته للسفر الى كل العالم ما عدا إسرائيل، وأثار ذلك ضجة داخل السودان وخارجه، فما هي دلالات حذف تلك العبارة؟ - الجواز الجديد صمم وفقاً لتصميم ومستوى عالمي ولم يقصد أن تحذف عبارة بل اتخذ التصميم المعايير العالمية المطلوب توافرها في الجواز والمعلومات الواردة فيه، وإذا كانت هناك ضرورة يمكن أن يكون هناك «ختم»، وحتى الجواز الذي كان مكتوباً عليه «يمنع السفر به الى إسرائيل» سافر به بعض (السودانيين) الى إسرائيل. حذف عبارة من الجواز الجديد ليست حجة ونعتقد أن هذه ضجة ليست في مكانها ولا قيمة لها. سؤالنا الأخير ماذا بحثت في قطر وما نتائج الزيارة وآفاق التعاون بين البلدين؟ - قمنا بزيارة لوزارة الداخلية في قطر الشقيقة، وكان وزير الدولة القطري للشؤون الداخلية الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني أرسل رسالة في شأن تعزيز التعاون، وهناك مذكرة تعاون بين البلدين، وزيارتي تأتي في إطار الوقوف على التجربة القطرية، خصوصاً في مجال استخدام التقنيات الحديثة في مجال المرور والجوازات والسجل المدني والدفاع المدني. وعقدت جلسة محادثات ممتازة مع الأخ الوزير الذي أبدى الاستعداد الكامل للتعاون، وسيتم ابتعاث عدد من الفنيين في المجالات المختلفة الى السودان في تشرين الثاني المقبل لاتفاق في شأن التعاون الفني معنا. كما تم الاتفاق أثناء الزيارة على التعاون في مجال التدريب وسيتم ابتعاث عدد من القطريين للدراسة في السودان وسيتم ابتعاث سودانيين للدراسة في قطر، وسيستمر التعاون بيننا وتوجد إرادة قوية لدى الجانبين بأن يكون هناك تعاون كبير في شأن كل القضايا الأمنية بين السودان وقطر، ونحن نحيي قطر أميراً وحكومة وشعباً على التعاون مع السودان.