لما كانت اللغة العربية هي أبرز ملامح ثقافتنا التي صمدت 17 قرناً شاهدة على إبداع أبنائها، وسجلاً أميناً على حضارة أمتنا ودور أبنائها في الحضارة البشرية؛ فقد باتت إشكالية اللغة العربية أمام تحديات عصر «العولمة» و«الإنترنت» من المحورية والشمولية والتعقيد، ما دعا الغيورين على اللغة العربية إلى العمل على الاستفادة من إمكانات عصر المعلومات الذي تعاظمت فيه أدوار «اللغة» في صياغة شكل المجتمع الحديث، سواء من داخله المتمثل في نتاجه العلمي والمعرفي والثقافي، أو من خارجه المتمثل في علاقته بغيره من المجتمعات التي تحدد مكانته على الخريطة العالمية. ومن هذا المنطلق جاءت الندوة الدولية الثانية عن «الحاسب واللغة العربية»، بعنوان «صناعة المحتوى العربي»، التي نظمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي أكدت أن ملف اللغة العربية سيبقى مفتوحاً في أذهان الغيورين عليها والحريصين على تأكيد أهميتها، انطلاقاً من أنها أقوى الروابط بين المسلمين، ومن عوامل قوة الأمة ورفعتها؛ وهو ما أكده مصطفى صادق الرافعي حين قال: «ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، ومن هذا المنطلق يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة المستعمرة»، وانطلاقاً من مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمحتوى العربي التي جسدت الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في الحفاظ على اللغة العربية، وجسدت اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالعلم والعلماء، وحرصه على حفظ تراث الأمة وجعله منافساً لما لدى الآخر من علوم وتقنيات، ومستفيداً من كل وسائل التقنية الحديثة ومقوماتها. وعلى رغم أن هذه «الندوة» أكدت قلة وجود المحتوى العربي في الشبكة العنكبوتية؛ إلا أنها أكدت انتقال الأمة العربية إلى المرحلة العملية وعدم الاكتفاء بالمحاضرات التنظيرية في هذا الجانب، ودعت إلى التفاؤل من خلال ما أكده أول محاضري الندوة الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إنسايتس الدكتور أسامة فياض، حين أشار إلى أن ترتيب اللغة العربية على شبكة الإنترنت قفز من الترتيب العاشر إلى الترتيب الثاني أخيراً، وإلى أن المحتوى العربي تضاعف عشر مرات على الشبكة بفضل الله ثم بفضل الجهات المهتمة بهذه المسألة، وبهذا فإنها أحيت الأمل فينا وفتحت المنافذ أمام عمل جاد لدعم اللغة العربية. وما من شك في أن هذه الندوة التي أبدت فيها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حماسة واضحة لتبني خطوات فعالة واستراتيجية عربية لإثراء المحتوى العربي من خلال إجراءات عملية بناءة يتم من خلالها تحديد أدوار الجهات المعنية بطريقة تكاملية، تأتي استمراراً لما بذلته «المدينة» من جهود مميزة في هذا الجانب، وما يسجل لها حسن اختيار المتحدثين في الندوة وتنوع ثقافاتهم واهتماماتهم؛ ما أضفى على الندوة نوعاً من التنوع والإثارة والتشويق، مع تمنياتنا للغتنا العربية بمستقبل مشرق بدعم أبنائها البررة وتكاتف جهود المخلصين من أبنائها. رئيس قسم الإعلام بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية [email protected]