حمل وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير إلى المسؤولين اللبنانيين رسالة بلاده إليهم ومفادها ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة سعد الحريري خصوصاً أن الانتخابات مضى عليها 5 أشهر، محذراً إياهم من أن «أمامهم تحدي أمن لبنان ووحدته وحريته». وأجرى كوشنير الذي رافقه وفد والسفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون، لقاءات مع معظم المسؤولين اللبنانيين بدءاً من رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة والحريري الذي عرض معه جهوده لتأليف الحكومة في اجتماع مطوّل امتد الى ما بعد الغداء بينهما، وكذلك مع نظيره اللبناني فوزي صلوخ، إضافة إلى لقاءات عقدها في مقر السفارة الفرنسية الى إفطار حضره الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في حضور النائب مروان حمادة ثم مع وزير العدل ابراهيم نجار والنائبين مروان حمادة وأحمد فتفت، إضافة إلى لقائه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون مساء في مقر إقامة السفير الفرنسي بعدما كان اجتمع مع مسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الله» عمار الموسوي. وزار كوشنير مساء مجمع البيال حيث يقام معرض الكتاب الفرنكوفوني وشارك في طاولة مستديرة مع عدد من الكتاب باللغة الفرنسية. كما منح اللبنانيين كامل مهنا وفؤاد بستاني وسامين. في بعبدا ولاحظ سليمان خلال لقائه كوشنير في قصر بعبدا، أنه «كلما خفت حدّة التعاطي في العلاقات بين دول المنطقة انعكس ذلك إيجاباً على الأوضاع في لبنان»، مبدياً أمله بأن «يتم تشكيل الحكومة قريباً». وشكر لفرنسا «وقوفها الدائم الى جانب لبنان ومساعدته على كل المستويات وفي شتى المحالات»، محملاً كوشنير تحياته إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتقديره ل «الجهود التي يقوم بها من اجل السلام في المنطقة عموماً ودعم لبنان خصوصاً». وأشار كوشنير إلى أن تعاون بلاده مع اسبانيا التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي مطلع العام المقبل «سيكون وثيقاً حيال السلام في الشرق الأوسط وبعد ان يكون الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين أعيد اطلاقه نتيجة المساعي الدولية الجارية». وعبّر كوشنير في تصريح بعد لقائه سليمان، عن رغبته «في رؤية لبنان سيداً حراً ومستقلاً، وهو اليوم في حاجة الى حكومة». وقال: «عبّر لي الرئيس عن ثقته بأن الأمور ستتحرك في الايام المقبلة بفضل اتصالاته وبفضل التوازن الذي تم التوصل إليه من قبل الجميع من خلال اعتماد صيغة 15/10/5 وفقاً للموقع الذي يتم النظر من خلاله، وأمله بأن يتم تعيين الشخصيات وتوزيع الحقائب بطريقة ملائمة في الايام المقبلة». وأضاف: «أنا سعيد لهذا التوجه وأعتقد أن من الضروري والواجب تحقيق ذلك». وأشار إلى أن «الوضع في المنطقة ليس جيداً فمسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين متوقفة والجهود الأميركية لم تكن كافية حتى الآن ونأمل بأن يتواصل الحوار انطلاقاً من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل بين الفلسطينيين والإسرائيليين كي نصل اخيراً الى دولة فلسطينية». وزاد: «وسط هذا التوازن الهش، لبنان في حاجة الى حكومة تضم الممثلين الضروريين والمقبولين من كل الأفرقاء والطوائف. هذا ما تأمله فرنسا صديقة لبنان وشقيقته. إننا جاهزون للمساعدة في اي اتجاه وإننا نقوم بذلك. هذه هي الرسالة التي حملتها إضافة الى رسالة الصداقة القوية من الرئيس ساركوزي الى الرئيس سليمان». ورأى «ليس في لبنان ابداً أسباب داخلية فقط، بل اعتقد أن الأسباب الخارجية موجودة لكنها اقل مما كانت عليه في السابق. على اصدقاء لبنان من هذا الطرف او ذاك ان يضعوا ثقلهم للتأثير على من هم قادرون على التأثير عليه كي يتم احترام الوعود التي تم التوصل اليها». وعن مباردة فرنسية لتسهيل ولادة الحكومة، قال كوشنير: «أمامكم مبادرة بحد ذاتها. وجود وزير الخارجية الفرنسية مبادرة بحد ذاتها. نحن نقترح اليوم لقاء جميع الأفرقاء وسنواصل الأمر إذا كان ضرورياً». وشدّد على أن «المقترحات يجب أن تأتي من اللبنانيين وأنا لا أقوم مقامهم بذلك، بل أقدّم أحياناً النصح اذا ما طلب مني ذلك وأتدخل دائماً كي يتفق اللبنانيون في ما بينهم. ولكن على اللبنانيين أنفسهم أن يشكّلوا حكومتهم وليس على فرنسا ان تقوم مقامهم بذلك». ووصف كوشنير الاتصالات الفرنسية مع الجانبين السعودي والسوري بأنها «إيجابية». وقال: «نواصل اتصالاتنا مع أصدقائنا السعوديين والسوريين. والقمة التي جمعت الملك السعودي (عبدالله بن عبدالعزيز) والرئيس السوري (بشار الأسد) في دمشق كانت حدثاً مهماً». وقيل له: «لكنها لم تثمر بخصوص تشكيل الحكومة؟»، فأجاب: «انتظروا. ليس هناك ابداً من نتائج فورية». عين التينة وكذلك أبلغ كوشنير بري في عين التينة، موقف بلاده وساركوزي ورئيس الحكومة فرنسوا فيون الداعي الى ضرورة تشكيل الحكومة. وقال كوشنير بعد اللقاء: «بعد مضي خمسة أشهر على الانتخابات النيابية، والآن مهما كانت المشاكل الداخلية، يجب تشكيل حكومة، والرئيس بري وافقني الرأي على ذلك، وهو يعتقد أن الامور ستتبلور في الأيام القليلة المقبلة. وفرنسا مع اصدقائها اللبنانيين ستدفع في هذا الاتجاه». وهل تفكك العقد اقليمياً أو داخلياً؟ أجاب: «على المستوى الاقليمي فإن سورية والمملكة العربية السعودية التقتا والأجواء ايجابية جداً، وهذا مهم. واعتقد أن المشكلة داخلية أكثر منها خارجية». وأكد بري مضمون ما ورد في تصريح كوشنير بعد اللقاء الذي استغرق الحيز الأكبر منه ل «البحث في ضرورة التوصل الى حكومة في اسرع وقت وضرورة ان يشارك الجميع في تسهيل تشكيل هذه الحكومة وفق الأسس التي عبر عنها الوزير كوشنير». في السراي ونقل كوشنير عن السنيورة بعد لقائهما في السراي الكبيرة، تشديده على «ضرورة تشكيل الحكومة، وأنه لا بد من لقاء كل الفرقاء، وهذا ما نقوم به». وأكد أنه متشجع من خلال هذه اللقاءات «بشكل أو بآخر، وأعتقد أن كل الأمور تتلاقى، ولا أعلم إن كانت مسألة أيام أو ما زالت مسألة أسابيع، ولكن لا بد من الإصرار، ولا سيما بعد الانتخابات النيابية حيث كانت الأمور واضحة للغاية، وتوزيع الحقائب الوزارية كان واضحاً أيضاً، لا بد الآن من وقف الخلافات الشخصية الداخلية، داخل البيت الواحد، من دون التقليل طبعاً من التأثيرات الخارجية. ولكن الحقيقة أن هذه التأثيرات الخارجية هي الآن إيجابية، لا سيما بين المملكة العربية السعودية وسورية». وسئل كوشنير: ماذا عن إيران؟ فأجاب: «لا أستطيع أن أقول إن الواقع بالنسبة الى إيران إيجابي للغاية. الآن تعقد الاجتماعات في فيينا، ولكن من خلال الإشارات التي نتلقاها فإن الأمور ليست إيجابية للغاية. وإن بقيت هذه المؤشرات سلبية ولم يحصل التوافق على مستوى الخبراء، على رغم أننا نأمل بالعكس، فإن هذا سينعكس سلباً على مواصلة الاتصالات السياسية على مستوى اجتماع الدول ال5+1 في جنيف. فرنسا تأمل وتريد وتعمل كي تخف التوترات وإيجاد الحلول السلمية والمقبولة، بما يؤدي إلى عدم استخدام التطور الذري لأهداف عسكرية». وأضاف: «للإيرانيين الحق الكامل باستخدام القدرة النووية السلمية لأهداف إنتاج الطاقة الكهربائية مثلاً وغيرها، ونحن مستعدون لمساعدتهم على ذلك بدليل المحادثات الجارية في فيينا، ونحن في فرنسا تحدثنا مطولاً مع الإيرانيين في هذا الخصوص وسنواصل جهودنا». وهل ينعكس هذا على الوضع في لبنان؟ أجاب: «كل شيء يؤثر في الوضع في لبنان، سواء بالنسبة إلى الدول المحيطة بلبنان أو الأكثر بعداً. طبعاً، هناك الآن في المنطقة توترات وإمكانات مواجهة لا أحد يتمناها أبداً ولا سيما فرنسا». وهل تعتقد أن المشكلة صراع على حقائب أو تمسك ايران بالورقة اللبنانية لتفاوض بها؟ فأجاب: «لا أقلل من الدور الإيراني أو السوري، لكنني أعتبر أن الأمر صراع وطني وشخصي في لبنان». وأوضح أنه وجد «الرئيس بري أكثر تفاؤلاً مما كنت أتوقع. هو سيستخدم موقعه، كرئيس لمجلس النواب، وهو أيضاً رجل من الجنوب ويمكنه أن يستخدم اتصالاته». «بيت الوسط» ونقل كوشنير عن الحريري الذي أقام له مأدبة غداء، تأكيده انه «سيواصل الجهود التي يبذلها والتي يجب دعمها، وانه سيثابر على مواصلة العمل الذي يقوم به». وأوضح أنه أبلغ الحريري أن «فرنسا تقف الى جانبه». وأثنى على «الرئيس الحريري لما يتمتع به من صبر وعزم واقتناع بأن يعطي لكل واحد المكان المناسب له، في ضوء توازن نتج من الانتخابات النيابية، لذا أرى من الضروري جداً أن يعي المجتمع الدولي الجهود المبذولة، وأن يشهد قيام حكومة جديدة مستقرة». وأضاف: «يتوجب على الجميع في الداخل اللبناني في شكل أساسي ان يتحملوا مسؤولياتهم، وبخاصة من لم يفعل ذلك بعد»، معتبراً أن «سورية احترمت بالفعل ما وعدت به، بأن لا يكون لها أي تأثير في تشكيل هذه الحكومة وأن لا تضع أية شروط مسبقة. لا اقول إن سورية، هذا البلد المجاور الكبير، لا تؤدي أي دور، ولكن اعتقد أنهم فعلاً بدوا أكثر حكمة واستشرافاً مما كانوا عليه». وكان كوشنير استهل زيارته لبنان بلقاء مع صلوخ في وزارة الخارجية حيث عقدا، بعد محادثاتهما، مؤتمراً صحافياً أما كوشنير فخاطب اللبنانيين قائلاً: «نحمل فكرة واحدة نابعة من مصلحة سياسية من بلد داعم لكم، الا وهي أنه وبعد مرور أشهر على إجراء الانتخابات النيابية في شكل ممتاز، ما زلتم من دون حكومة ولا يمكنكم الاستمرار على هذا النحو، انتم عرضة للمخاطر في المنطقة والتي تؤثر عليكم في شكل دائم... كونوا واعين للتحدي لأنه أمنكم ووحدة لبنان وحريته». واضاف: «انتم تمثلون في الوقت الراهن الديموقراطية التي قلما نراها في الشرق الأوسط، لذا تقع على عاتقكم مسؤوليات، وليس على فرنسا تشكيل حكومتكم واعطاؤكم الدروس لكننا قلقون».