ناقشت الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة في جلستها أمس سبل مواجهة تداعيات «تقرير غولدستون» الذي دان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة مطلع العام الحالي، وذلك في أعقاب تبني مجلس حقوق الإنسان في جنيف التقرير ومخاوف إسرائيل من أن يصل إلى مجلس الأمن، ومنه إلى أروقة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وجاء النقاش وسط انقسام شديد في الرأي بين وزراء يؤيدون تشكيل «لجنة فحص» لدرس استنتاجات التقرير وبالتالي قطع الطريق على مواصلة بحثه في الهيئات الدولية المختلفة، وبين معارضين لهذه الفكرة بداعي أن تشكيل لجنة كهذه يمس بصدقية التحقيقات الداخلية التي أجراها الجيش الإسرائيلي حول بعض ممارسات جنوده إبان الحرب. وكان «تقرير غولدستون» طالب إسرائيل وحركة «حماس» بالقيام في غضون ستة أشهر بتحقيق مستقل في الإدعاءات التي يشملها التقرير بارتكاب جرائم حرب، محذراً من أنه في حال عدم تنفيذ ذلك، سيتم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ووفقاً لتقارير صحافية إسرائيلية، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان قد يؤيدان تشكيل لجنة فحص مستقلة كان وزير شؤون المخابرات دان مريدور أكد أهمية تشكيلها. وأضافت أن وزير القضاء يعقوب نئمان وتحديداً المستشار القضائي للحكومة مناحيم مزوز يعتقدان بأنه لن يكون هناك مفر أمام إسرائيل من تشكيل لجنة فحص تكون في واقع الأمر لجنة لحماية الدولة العبرية من تقرير غولدستون ولوقف تدحرج «كرة الثلج» وإزالة التقرير من الأجندة الدولية ومنع إحالته إلى مجلس الأمن. وأفادت تقارير صحافية أن موقف مزوز كان وراء عدول الوزير ليبرمان عن معارضته الشديدة لتشكيل اللجنة. في المقابل، يتبنى وزير الدفاع إيهود باراك موقف قادة الجيش الرافض في شدة تشكيل أي لجنة، داعياً إلى الاكتفاء بالتحقيقات التي قام بها الجيش. ونُقل عن باراك اعتباره تشكيل لجنة فحص بمثابة «نزع ثقة فظ عن الجيش الإسرائيلي». وتعتبر أوساط عسكرية أن تشكيل لجنة سيكون بمثابة «دخول في منحدر زلق، يمكن معرفة كيفية دخوله لكن لا أحد يمكنه التكهن بكيفية الخروج منه». وتابعت أنه في حال تشكيل لجنة سينشأ وضع تكون فيه الحروب الإسرائيلية الأربعة الأخيرة انتهت إلى لجنة فحص أو لجنة تحقيق ما يضع سلوك الجيش موضع استفهام وإحراج، محلياً ودولياً. وكان نتانياهو أبلغ وزراء حزبه «ليكود» أول من أمس بأن إسرائيل تلقت وعداً بفرض الفيتو في مجلس الأمن في حال ناقش التقرير. وحذر من أن بحث التقرير في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة قد يدفع بالمدعي العام للمحكمة الدولية في لاهاي إلى تقديم مسؤولين إسرائيليين للمحاكمة. وكان قادة دول أوروبية، في مقدمهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية غوردون براون، حضوا نتانياهو على وجوب أن تشرع إسرائيل بفتح تحقيق مستقل في الادعاءات التي تضمنها التقرير حول ممارسات الجيش ضد مدنيين فلسطينيين، بداعي أن مثل هذا التحقيق سيقطع الطريق على إحالة التقرير للمتابعة في مجلس الأمن. وقلل نائب رئيس الحكومة سلفان شالوم من أهمية تقرير غولدستون، واعتبره «عديم المغزى ومشوهاً وكاذباً وضعه قاض يهودي أراد أن يثبت أنه موضوعي، فوضع تقريراً غير موضوعي». ورفض شالوم في حديث للإذاعة العامة أمس، فكرة أن تشكل الحكومة أي لجنة فحص. وقال إنه ينبغي تجاهل استنتاجات التقرير «وعدم التعاطي مع هذه المهزلة، تماماً مثلما فعلت إسرائيل عندما رفضت قرار المحكمة الدولية في لاهاي الذي اعتبر جدار الفصل الذي أقامته في الضفة الغربية عنصرياً». من جهته، رفض القاضي غولدستون ادعاءات إسرائيل بأن من شأن تقريره عرقلة عملية السلام في الشرق الأوسط. وقال خلال مشاركته عبر «الفيديو كونفرانس» في مؤتمر لحاخامات يهود في الولاياتالمتحدة إن العملية السياسية في الشرق الأوسط متوقفة أصلاً «حيال عدم رغبة وزير الخارجية الإسرائيلي بها». وكرر دعوته إسرائيل إلى إجراء تحقيق جدي في استنتاجات تقريره، وقال إنه «في حال فعلت ذلك سينتهي الأمر». في غضون ذلك، حذر مسؤول كبير في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي من تعاظم نفوذ «الهوامش المتطرفة للمستوطنين» في الضفة الغربية. وقال إن هؤلاء المتطرفين مستعدون لمواجهة عنيفة مع الجيش الإسرائيلي ويتصرفون بعنف شديد مع الفلسطينيين. ونقلت صحيفة «هآرتس» عنه قوله إنه في مستوطنات الضفة «توجد اليوم دفيئة لتربية وحوش بشرية وهمجيين» من المستوطنين الذين يحتجون على التسهيلات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية المحتلة مثل إزالة حواجز أو تخفيف انتشار الجيش داخل هذه المدن»، مضيفاً أن هؤلاء لن يترددوا في الاعتداء على الجنود الإسرائيليين. إلى ذلك أقرّ المسؤول العسكري بأنه لا توجد لدى الجيش الإسرائيلي خطة عملية لتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية غير القانونية وهو التزام قطعته إسرائيل على نفسها قبل خمس سنوات. وكرر باراك في العامين الماضيين التزامه تفكيك هذه البؤر، لكنه لم يفعل.