منحت جائزة نوبل للرئيس الأميركي باراك أوباما عن استحقاقات مؤجلة، ما وضعه على المحك بين نواياه المعلنة والضغوط التي تحول دونها. إعلامياً بدا كمن يسعى إلى تغيير العالم، والتأسيس لمناخ جديد في العلاقات الدولية، يقدم لغة الحوار في حل النزاعات على لغة العسكر والعقوبات التي انتهجها سلفه الرئيس جورج بوش الابن، وحتى اللحظة لم يثبت إذا كان الرئيس أوباما يسعى إلى تغيير العالم، أم يعمل فقط على الكف من التدهور الحاصل في سمعة الولاياتالمتحدة أم انه سينتهج سياسة تجمع بين الهدفين، نوبل حسمت الأمر ورسمت له خطة للسير نحو الهدف الأول، لذا شعر بالحرج الشديد كما قال لسماعه نبأ منحه الجائزة، ربما حمّلته نوبل أكثر مما يحتمل، ولا نعرف إذا كانت قد أحرجت أوباما وحده أم أنها أحرجت الولاياتالمتحدة بأسرها، فتغيير وجه العالم يتطلب مد جسور الثقة والأخير يتطلب التخلي عن العديد من مصالح الإمبراطورية، فهل الولاياتالمتحدة الأميركية جاهزة لمثل هذا الاستحقاق الكبير، وأصبحت على أهبة الاستعداد لتلبية المناشدة الكامنة وراء منح الجائزة؟ قد لا تبدو المسألة متعلقة بالنوايا بقدر ما يجب النظر إلى كيفية مواجهة الضغوط التي تحول دونها، وخاصة تلك الضغوط المتزايدة من قبل المحافظين الجدد، حيث أثارت حفيظتهم بعض الإنجازات العملية لإدارة أوباما، وهنا لا بد من الإقرار بأن إدارة اوباما رفعت من اهتمام الولاياتالمتحدة الأميركية بالقضايا الكونية، مثل الحد من ظاهرة الانبعاث الحراري، والتأسيس لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، حيث جاء القرار 1887 الذي يؤسس لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، والذي اتخذ في الجلسة الاستثنائية لمجلس الأمن التي ترأسها الرئيس اوباما، ليضفي نوعاً من المصداقية على رؤيته الجديدة، التي عبر عنها في خطابه في براغ معلناً التزامه «بعالم خال من الأسلحة النووية»، حيث دعا إلى خفض الترسانة النووية الروسية والأميركية، وتبنّي معاهدة لحظر التجارب النووية، وإنشاء بنك دولي للوقود من أجل تأمين حماية المواد النووية، والتفاوض حول اتفاقية جديدة تضع حداً لإنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في صناعة الأسلحة النووية، والحكم على جدية النوايا يبقى رهناً بانتظار الخطوات العملية، وفيما يتعلق بالملفات الشائكة الأخرى، فقد تم فض الاشتباك مع روسيا بشأن الدرع الصاروخية، على صعيد الملف النووي الإيراني الحوار انطلق، وما زال الحكم مبكراً على إمكانية حل جميع العقد المتعلقة بهذا الملف عبر الحوار، ولكن حتى اللحظة لم تندلع حرب جديدة في الخليج، كما رغبت إسرائيل والمحافظون الجدد، وكذا انطلق الحوار بشأن الملف النووي الكوري، وما زالت إدارة أوباما تتعامل بحذر شديد مع ما يجري في أميركا اللاتينية، وخير دليل على ذلك موقفها من أزمة هندوراس، أما على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي فما زال الموقف شعاراتي، وتفتقد معه إدارة أوباما آلية الضغط المناسبة على إسرائيل، فالموقف من الاستيطان على رغم أنه بدأ قاصراً اتخذ منحًى تراجعياً، والموقف من تقرير غولدستون لا ينسجم والمناشدة الكامنة وراء منح جائزة نوبل. مقابل ذلك شهدت الساحة السياسية في الولاياتالمتحدة حملة شرسة، شنها المحافظون الجدد ضد إدارة الرئيس أوباما، ففي فندق أومني شوريهام في واشنطن عقد الاجتماع السنوي لمن يطلقون على أنفسهم «ناخبي القيم»، وذلك بدعوة من السيناتور الجمهوري مايك بنس من ولاية انديانا، وهذا السيناتور ينظر إليه البعض باعتباره مرشح المستقبل للرئاسة، حيث تجمع حشد من 2000 شخص من المحافظين بهدف التحريض على اوباما، حيث راح الخطباء يعبرون عن غضبهم من سياسته، واتهموه بتبني أجندة اشتراكية وراحوا يكيلون الوعود بإسقاط الديمقراطيين في التجديد النصفي عام 2010، وقد تحدث بنس عن «اليقظة الأميركية العظيمة»، بينما تحدث سيناتور آخر هو توم برايس (من جورجيا) عن «أدغال الحرية»، أما سو فيلبس فأخذت تقارن بين باراك اوباما وفيدل كاسترو وهتلر قائلة «إنهم جميعاً كانوا خطباء بارعين»، كما ألقت بالشكوك حول انتماء أوباما الوطني وديانته، ومن المنصة أخذ سيناتور فرجينيا إريك كانتور يغذي مخاوف الحاضرين، بإلقاء نكتة تقول إن رجلاً أراد أن ينام في أميركا فاستيقظ بعد عام من تولي أوباما الرئاسة ليجد نفسه في السويد. بينما يرى فين ويبر وهو ينتمي إلى «ثورة غنغريتش» التي أطاحت بالديموقراطيين من الكونغرس عام 1994، أن الجمهوريين مهمومون كثيراً بحجم ما وقع من تغيير تحت إدارة أوباما مما سيتيح لهم استعادة دورهم مرة أخرى. وينفي ويبر ما قاله الرئيس الأسبق جيمي كارتر أن معظم المعارضة الموجهة للرئيس اوباما تنطلق من أسس عنصرية، ولا يضيره الاعتراف بوجود عنصرية عند اليمين، إلا أنه يرى أن معظم الذين ينتقدون الرئيس أوباما يفعلون ذلك «على أسس فلسفية»، أما جاري باور رئيس جماعة القيم الأميركية وأحد أبرز المحافظين المسيحيين، فيرى أن تهمة العنصرية ما هي إلا «محاولة سخيفة لتهميش المحافظين». وبالنظر إلى الحملة الشرسة التي يشنها المحافظون الجدد ضد الرئيس أوباما، ومقارنة مع ردود الأفعال الدولية حيال منحه جائزة نوبل، والتي تتمثل بالتشجيع والتقدم نحو الأهداف والنوايا التي أعلنها، يصبح الرئيس أوباما محاصراً بين ضغط وسخرية المحافظين، وبين الضغط الدولي والحرج الكبير الذي سببته الجائزة، فإذا ما قرر أوباما تجاهل ضغوط المحافظين، بات لزاماً عليه السعي نحو جبهة عالمية تمكنه من عدم الخسارة داخل أميركا، وعنوان ذلك تخصيص مساحة أكبر للقضايا الكونية، وفي مقدمها نزع الأسلحة النووية ليس فقط من الدول الساعية لامتلاكه، بل من الدول القوية وفي مقدمها الولاياتالمتحدة وإسرائيل والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والاهتمام بالأزمة الاقتصادية العالمية وعدم حلها على حساب الدول الفقيرة، والتقدم بحل مشكلة الانبعاث الحراري والطاقة البديلة، وقضايا الأوبئة وفي مقدمتها الإيدز، وحل النزاعات على أسس عادلة وتوديع سياسة ازدواجية المعايير، أما إذا قرر الرئيس اوباما انتهاج سياسة وسط ما بين الضغوط الداخلية والآمال العالمية فهو بذلك سوف يخسر على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد العالمي، وسوف يمضي كسحابة صيف. *كاتب فلسطيني.