يرى الباحث الفلسطيني مهند مصطفى، وهو أستاذ معيد في جامعة حيفا، أن فوز أفيغدور ليبرمان وحزبه ينم عن تكريس خطاب إسرائيلي جديد إزاء الأقلية الفلسطينية يستند إلى ثلاثة أسس: أولاً: تعميق يهودية الدولة والتشديد على طابعها الإثني. ثانياً: ربط المواطنة بالولاء والحقوق بالواجبات. ثالثاً: الفصل بين المجموعتين إما من خلال تعميق التمييز ضد العرب، أو من خلال الفصل الداخلي كإقصاء العرب من عملية اتخاذ القرار وتوزيع الموارد، أو الفصل الجسدي كما يقترح «إسرائيل بيتنا» من خلال التبادل السكاني. وفي رأيه، فإن هذا الخطاب هو تراكم لما حدث خلال العقدين الأخيرين على صعيد علاقات الغالبية والأقلية في إسرائيل. وقد حظي حزب ليبرمان بتأييد غالبية قطاعات المجتمع الروسي لكن ليس القطاع الروسي فقط، فنصف المصوتين كان من الروس والنصف الآخر توزع على قطاعات أخرى في المجتمع الإسرائيلي. وهذا يدل على أن النهج السياسي لحزب ليبرمان بدأ يحظى بتأييد واسع في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً في ما يتعلق بالمجتمع العربي. ويضيف مصطفى: «ما يميز العقدين الأخيرين في تجربة الفلسطينيين في إسرائيل هو النقاش إلى حد الصراع بين الأقلية والأكثرية على شكل وجوهر نظام الحكم في إسرائيل، فقد استحوذ هذا الموضوع على الأجندة السياسية لدى الطرفين، وخصوصاً لدى الطرف اليهودي كرد فعل على تحولات سياسية وفكرية في معادلة الصراع بين الأقلية والغالبية. وقد حاولت الغالبية الادعاء أنه يمكن تعريف إسرائيل كدولة «يهودية وديموقراطية» من دون أن يمس ذلك بديموقراطيتها. في المقابل اعتبر الفلسطينيون في إسرائيل أن هناك تناقضاً بنيوياً وجوهرياً بين الطابع اليهودي للدولة والطابع الديموقراطي، ما يحول إسرائيل إلى نظام غير ديموقراطي. وقد انصبت غالبية الجهود السياسية والفكرية العربية، خلال العقدين الأخيرين، على الإشارة إلى التناقض بين الطابع اليهودي للدولة والادعاء بديموقراطيتها، وأصبح المطلب بإلغاء الطابع اليهودي للدولة مطلب النخب الفلسطينية والجمهور الفلسطيني في إسرائيل، إلى درجة أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، يوفال ديسكين، اعتبر هذه المطلب خطراً استراتيجياً على الدولة، ولمح إلى أن «الشاباك» سيحبط أي محاولة لتغيير الطابع اليهودي للدولة حتى لو كانت بأدوات ديموقراطية». ويعتبر مصطفى مرحلة العقدين الأخيرين «مرحلة الهوس الإثني اليهودي، إذ يجرى التشديد على هوية الدولة اليهودية وطابعها الإثني، من خلال تعزيز هذا الطابع بواسطة إجراءات سياسية وقانونية لم يسبق لها مثيل من قبل. وهناك تيار يهودي يعترف بأن ديموقراطية الدولة في صراع دائم مع يهوديتها، إذ يدعي هذا التيار أن الديموقراطية تسمح «للأعداء من الداخل» باستغلالها ضد يهودية الدولة، لذلك هناك حاجة دائمة الى تقليص مساحة الديموقراطية وتوسيع الطابع اليهودي للدولة، وربط المواطنة باستحقاقات معينة، حتى أن بعض الباحثين الإسرائيليين تعامل في شكل واضح مع الفلسطينيين في إسرائيل كتهديد والبعض كأعداء، واقترح التعامل مع مسألة العرب في إسرائيل لا من خلال مفاهيم «البحث عن حلول»، وإنما من خلال مفاهيم «مراقبة الأضرار وتقليصها». وأحد هؤلاء يقترح عدم حل «مشكلة» العرب في إسرائيل، بل إدارة هذه المشكلة من خلال سياسات ديموغرافية وتشريعية ومدنية». وينوّه مصطفى بأن برنامج هذا الحزب «يستند إلى فكرتين أساسيتين ليستا جديدتين: الأولى، لا مواطنة من دون ولاء، الثانية، الفصل بين الشعبين هو الحل المثالي للصراع، وجزء من هذا الفصل يجب أن يتم أيضاً من خلال تبادل سكاني يشمل مناطق عربية داخل الخط الأخضر. فالفكرة الأولى لا يوجد فارق بينها وبين مشروع الخدمة المدنية (حكوميّ) الذي يربط الحقوق بالواجبات. وبناء عليه، فإن شعار ليبرمان لا يختلف في الجوهر عن فكرة الخدمة المدنية التي يطرحها التيار السياسي المركزي في إسرائيل من اليمين إلى اليسار. إن شعاره هو جوهر الخدمة المدنية، والخدمة المدنية لا يمكن أن تتم من دون مفهوم الولاء. أما الفصل بين الشعبين، فإنه فكرة الجنرال في الاحتياط عمرام ميتسناع عندما شغل منصب رئيس حزب العمل الإسرائيلي وتنافس في انتخابات 2003، وقد طبقها أرييل شارون خلال ولايته في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لأنه آمن بها إيماناً قاطعاً. وجاء الاثنان بفكرة الفصل بين الشعبين كجزء من حل أو إدارة الصراع مع الفلسطينيين. وبخصوص فكرة التبادل السكاني فقد طرحت على مدار العقدين الأخيرين من اليسار أولاً ثم من أطراف من اليمين عندما كان ليبرمان لا يزال سياسياً صغيراً في حزب الليكود ولم يسمع أحد به. ولذا، فإن ليبرمان في موضوعي الفصل والتبادل السكاني لم يأت بجديد. بناء على ذلك، فإن انتخابات الكنيست الأخيرة عمقت، في رأيه، التوجه الإسرائيلي السائد ضد الأقلية الفلسطينية، ولم تبدأ حقبة جديدة في التعامل معها. وربما تشهد المرحلة المقبلة تطرفاً في هذا التوجه لا جديد فيه».