"أخضر الشاطئية" يواجه اليابان في كأس آسيا 2025 بتايلاند    اختراق مكتبة الفنان الراحل طلال مداح على youtube    ختام مثير لنهائي البطولة الرمضانية لمجتمع رياض سيتي بتتويج فريق الأبيض    صلاح يقود مصر للفوز 2-0 على إثيوبيا بتصفيات كأس العالم    بريطانيا تجمد 32 مليار دولار من الأصول الروسية    استكمال الطريق الدائري الثاني (الضلع الغربي) في مكة    أنتم سبب تأخر المحافظة.. قال لي!    أمانة الرياض تطرح فرصًا استثمارية لعام 2025    غوتيريش: التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية يغيّر معالم الضفة الغربية    وزير السياحة يزور جدة ويتجول في معالمها السياحية    وزير «الشؤون الإسلامية» يوجه باستكمال بناء الجامع المركزي في مدينة بودوييفا الكوسوفية    لائحة تهديفية تمنح مهاجم الهلال الأفضلية على فينيسيوس جونيور    جهود أمنية في العشر الأواخر    ضبط مواطن في القصيم لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    المملكة توزّع 115 سلة غذائية في منطقة السيدة زينب بمحافظة ريف دمشق    إطلاق هاتفيّ Phone 3a و3a Pro من Nothing في الشرق الأوسط تزامناً مع حلول عيد الفطر        19 طرازًا معماريًا ضمن خريطة العمارة السعودية ترسم مستقبل المدن في المملكة    تقارير.. برشلونة يترقب المشاركة في كأس العالم للأندية    جمعية رواد للعمل التطوعي ممثلة بفريق "صناع التميز التطوعي" تشارك في الإفطار الجماعي بمحافظة بيش    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة إندونيسيا    جامعة الملك خالد الأولى وطنيًّا والثانية عربيًّا والخمسون عالميًّا    ابتدائية 32 للبنات بخميس مشيط تنظم مبادرتي "فرحة يتيم" و"كسوة العيد" لأيتام "عطاء"    رينارد يحطم أرقام سلبية في المنتخب السعودي    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجمع بين معايير البناء قديمًا وحديثًا في تجديد مسجد القلعة    المسجد النبوي.. جهود مضاعفة لاستقبال العشر الأواخر    الخطوط السعودية تلغي رحلاتها من وإلى لندن حتى إشعار آخر    مؤشر الأسهم اليابانية يسجل أعلى مستوى في 8 أشهر    وقاء عسير ينظم "مسامرة رمضانية" ضمن مبادرة اجاويد3    تدشين أول تطبيق لتوثيق ملكية العقارات البلدية رقميًا في الشرقية    تكريم الفائزين في ختام مسابقتي "رتل " و"بلال" بالأحساء    مستشفى النعيرية يعزز الصحة في رمضان بحملة "صم بصحة"    طيران الأمن في رئاسة أمن الدولة في أول ليلة من العشر الأواخر لشهر رمضان    محافظ الطائف يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أدبي الطائف    محافظ الرس يرعى "رمضانيات" لنادي الرس الرياضي لذوي الإعاقة    سلمان بن سلطان يدشّن المركز الكشفي للمهارات والهوايات الطلابية    الذكاء الاصطناعي والحرب النووية: هل يمكن أن يصبح القرار بيد الآلة    الأخضر السعودي يتغلّب على الصين ويجدّد آمال التأهل لمونديال 2026    مخيّم التفطير الدعوي لجمعية الدعوة بالصناعية القديمة يواصل عطاءه حتى ال 20 من رمضان 1446ه ،واستفادة أكثر من (18,443 صائمًا)    حسن كادش يغادر لقاء الأخضر والصين مصابًا    «الصحة» تقيم النسخة الخامسة من «امش 30» في المسار الرياضي    مستشفيات وعيادات دلّه تعلن عن مواعيد العمل خلال أيام عيد الفطر المبارك    مستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل يطلق حملة "صم بصحة" لتعزيز الوقاية خلال رمضان    ثماني سنوات من الطموح والإنجاز ذكرى البيعة لولي العهد محمد بن سلمان    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى المدينة المنورة    نائب وزير التجارة تشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمتها بالمرتبة الممتازة    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    مركز الملك سلمان يوزع سلالًا غذائية بسوريا وطاجيكستان    بعد اتصالات ترامب مع زيلينسكي وبوتين.. العالم يترقب النتائج.. محادثات أمريكية – روسية بالسعودية لإنهاء الحرب في أوكرانيا    يُحيي تراثًا عمرانيًا تجاوز عمره 14 قرنًا.. مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدد مسجد الحوزة بعسير    السعودية تدين استهداف موكب الرئيس الصومالي    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم الطفيلي المصري إلى الرياض    كيف أفسد ترمب صفقة المقاتلات على الولايات المتحدة    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    نائب أمير جازان يقلّد مساعد قائد حرس الحدود بالمنطقة رتبته الجديدة    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    









ألف وجه لألف عام - «الرجل ذو الذراع الذهب» لنيلسون آلغرين: بؤس ذلك الحلم
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 2009

لم يكن اسم نيلسون آلغرين، اسماً كبيراً في عالم الأدب الأميركي أواسط القرن العشرين. أما في أوروبا فإنه بالكاد كان أحد سمع به لولا اعترافات متأخرة للمفكرة والكاتبة سيمون دي بوفوار، قالت فيها انها، حين كانت في عز ارتباطها مع جان – بول سارتر عبر الثنائي الذي شكلاه وكان مضرب الأمثال عاطفياً وفكرياً وانسانياً، أقامت علاقة مع كاتب أميركي هو نيلسون آلغرين. على الفور يومها راح القراء – وحتى كتّاب كثر – يبحثون في المراجع والمكتبات ليعرفوا من هو هذا الكاتب الذي يبدو أنه كان وسيماً ومشعاً وواعداً لفترة من الزمن، كانت هي الفترة التي تعرفت فيها اليه صديقة سارتر. بيد أن المهم في هذه الحكاية هنا، ليس العلاقة بين آلغرين ودي بوفوار... بل ما اكتشفه النقاد والقراء حين راجعوا أعمال آلغرين من أنه، في حقيقة الأمر، كاتب مظلوم، وكان يستحق شهرة أوسع من تلك التي كانت له، إضافة الى اكتشافهم ان واحدة من مشاكله كانت في كونه كاتباً مقلاً... أي انه لم يكن غزير الإنتاج ولا واظب عليه... بل ان الأدهى من هذا هو ان من بين الروايات القليلة التي صدرت لآلغرين، لم تشتهر في شكل جدي سوى واحدة هي «الرجل ذو الذراع الذهب». بل ان هذه الرواية اشتهرت الى درجة أن كثراً اعتبروها العمل الوحيد لكاتب صرفته شؤون الحياة عن الاهتمام بالكتابة أكثر.
مهما يكن من أمر، فإن «الرجل ذو الذراع الذهب»، كانت أكثر حظاً من كاتبها، إذ انها اعتبرت دائماً أول رواية واقعية سوداء صدرت في الولايات المتحدة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما انها الرواية التي فازت بأول جائزة قومية للرواية عام 1950... ناهيك بأن كثراً من الكتّاب، ومن بينهم إرنست همنغواي استفاضوا في مدحها... كما ان الجمهور يعتبرها دائماً الرواية الأكثر شعبية التي كتبت عن مدينة شيكاغو. ذلك أن أحداث الرواية تدور بالفعل في الأحياء البائسة لمدينة شيكاغو خلال سنوات الكساد الاقتصادي بالتحديد، ما يضاعف من كم البؤس الذي تحمله، والذي تتعارض صورته تماماً، من ناحية مع صورة الحلم الأميركي المعهودة، ومن ناحية ثانية مع صورة شيكاغو التي تحكمها العصابات. هنا تبدو لنا شيكاغو وكأنها مدينة من العالم الثالث، كما تبدو الشخصيات أقرب الى الحثالة منها الى الأنماط الأميركية المعهودة.
تتمحور أحداث الرواية حول المدعو فرانكي ماتشينيك، أحد أبناء أكثر الأحياء بؤساً في المدينة. وهو، انطلاقاً من اسمه يلقب ب «فرانكي ماشين» (أي الآلة)، لأن ذراعه من القوة وسرعة الحركة ما يجعلها أشبه بالآلة... ومن هنا كان له لقب آخر هو الذي استعاره عنوان الرواية «الرجل ذو الذراع الذهب». وفرانكي هذا المتحدر من أسرة شديدة الفقر يستخدم ذراعه ومواهبه للعمل موزع ورق في ناد سري للقمار... لكنه في الوقت نفسه يحلم بأن يصبح عازف طبل في فرقة جاز. ولفرانكي هذا زوجة أصيبت بحادث سير أقعدها على كرسي متحرك شالاً حركتها. لكن الحقيقة هي أن صوفي، الزوجة، ليست مشلولة تماماً، بل هي تدّعي ذلك كي تتمكن ان ابقاء فرانكي الى جانبها طوال الوقت... طالما انه هو الذي كان يقود السيارة ثملاً، حين وقع الحادث، ما جعله عرضة لعقدة ذنب، تجاه زوجته، تستبد به! وإذ يتصاحب هذا مع حزن وبؤس يلمّان بحياته اليومية، لا يجد أمامه إلا المخدرات يتعاطاها كي ينسى كل ذلك البؤس الذي يعيش في أحضانه. صحيح انه في وعيه بين حين وآخر يحاول أن يتمرد على إدمانه المخدرات... غير أنه في النهاية يستسلم ويصبح عبداً لها... وإذ يتبيّن له أن عبوديته هذه لن تنتهي بسهولة... لا يجد نفسه أمام يأسه إلا وقد قتل بائع المخدرات الذي يمده بها. وفي البداية، بعد أن يرتكب جريمته يهرب، لكنه لاحقاً، أمام تعبه ويأسه مما سيحل به لاحقاً، لا يجد مهرباً من الاستسلام للشرطة التي تطارده. غير أنه بدلاً من الاستسلام ينتحر واضعاً حداً لحياته.
لقد كانت رواية «الرجل ذو الذراع الذهب»، في ذلك الحين واحدة من أكثر الروايات الأميركية سوداوية، كما أشرنا... وهي تبدو فاقدة الأمل كلياً، خصوصاً أن آلغرين أعطى بطله فرانكي من السمات والمواصفات وآيات الارتباط بالمكان والزمان، ما جعل هذه الشخصية تتجاوز فرديتها وخصوصية حالتها، لتصبح أشبه برمز يشير الى جيل بأسره من أبناء مدينة شيكاغو والأحياء البائسة فيها... بل لربما يصح أن نقول: أتت الشخصية رمزاً لأجيال بأسرها من الأميركيين، بيضاً وسوداً وغير ذلك، من الذين، بعد أن أغرقتهم أيديولوجيا الحلم الأميركي ومجتمع الرفاه، وأميركا المشعة على العالم بعدما أنقذته من النازية، ها هم يكتشفون انهم، هم، لم يستفيدوا شيئاً من ذلك كله. ومن هنا ما رآه النقاد في هذه الرواية من نظرة قاسية على مجتمع بأسره، أكثر منها رواية عن شخصية ميلودرامية. صحيح أن الرواية تصور لنا، وبقوة، إدراك فرانكي لواقعه، وترينا كيف أنه لم يتوقف للحظة عن محاولة الإفلات من ذلك الواقع. (بل إن ثمة من النقاد من رأى في انتحار فرانكي، مسعى لمقاومة ذلك الواقع) غير أن تصوير آلغرين للنهاية على تلك الشاكلة، جعل كثراً يتساءلون: أليس ثمة، إذاً، بصيص أمل واحد؟
غير انه سيكون من الظلم الإضافي لهذه الرواية أن نحصرها في هذا البعد الفكري – الأيديولوجي، متعاملين معها، تعاملنا مع كتّاب في علم الاجتماع. ذلك ان «الرجل ذو الذراع الذهب» هي – أيضاً – رواية، ذات أسلوب فني شيق... ولو فقط في مجال رسم الشخصيات بتناقضاتها وخصوصاً بساعات حنينها وساعات قسوتها، ما يذكر الى حد ما بما اعتاده كتّاب أميركيون في هذا المجال (وعلى رأسهم جون شتاينبك ثم لاحقاً كارلسون ماكالرز) من رسم حنون لشخصيات هي ضحية أقدارها ومجتمعاتها حتى حين تبدي ما تبديه من الشر. وعلى هذا يجد القارئ متعة كبيرة حين تطاوله في الرواية بقية شخصياتها، البائسة حقاً، لكنها مع هذا مملوءة بالحياة، وتعرف كيف تستخلص من البؤس اليومي وسائل للبقاء... شخصيات لن يكون من التعسف القول انها تبدو شبيهة الى حد كبير بشخصيات نجدها في بعض أروع قطع الأدب الروائي المصري (من «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، الى «وكالة عطية» لخيري شلبي). هذا النوع من الشخصيات التي تخترع الحياة وتعيد اختراعها في كل مرة من جديد. ثم، إضافة الى هذا كله، لن يكون غريباً هنا أن نجد كثراً من الكتّاب ينظرون الى «الرجل ذو الذراع الذهب» كرواية تحاول، في شكل أو في آخر، أن تتصدى لظاهرة الإدمان على المخدرات. وما يأس فرانكي ثم انتحاره في حربه ضد المخدرات سوى علامة قوية على هذا.
لم يكتب نيلسون آلغرين (1909 – 1981) طوال حياته، سوى سبعة عشر كتاباً بين رواية ودراسة وكتب حوارات، علماً أن ثلث هذه الأعمال لم يصدر خلال حياته، بل إن أعماله لا تزال تكتشف حتى اليوم وتنشر... ومن آخر ما نشر له، مجموعة من النصوص تحت عنوان «تفخيخ وكتابات أخرى» (2009). وهو في الأصل من مواليد ديترويت (ميتشيغان) انتقل وأهله الى شيكاغو التي سرعان ما صارت موطنه، واشتغل فيها في عدد من المهن، على عادة الكتّاب الأميركيين قبل أن ينصرف نهائياً الى الأدب والتجوال حول العالم... ونذكر ان سيمون دي بوفوار رسمت صورة قلمية له في روايتها «المثقفون» (1957) تحت اسم لويسي بروغان.
alariss@alhayat.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.