لا يبقى من زيارة إعلاميين الى الدنمارك سوى ان هذا البلد الاسكندينافي متقدم يتمتع بمستوى راق ومتطوّر من العيش، يمكن تلمّسه في مناحي الحياة اليومية كافة. كما يبقى ذلك السلم الوادع الذي يخيم على شوارع العاصمة كوبنهاغن، بما يتيح التجوّل في «شارع المشي»، وسط المدينة، حتى ساعة متأخرة، من دون أن تُشاهد العين أثراً لرجال الأمن والعسس وغيرهم. ينشغل المسؤولون في الدنمارك، في وزارتي الخارجية والطاقة والمناخ، بالتحضير لمؤتمر «كوب 15» الدولي حول التغيير المناخي الذي ترعاه الأممالمتحدة ويعقد من 8 الى 18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ولا تمنع ضخامة الحدث الذي سيحضره رؤساء دول كثيرة ويؤدي الى توقيع اتفاقية مُلزمة عنوانها «تخفيف آثار التغيير في المناخ»، ولا النقاشات الشائكة في شأن المناخ، خصوصاً الخلاف بين الدول الصناعية والصاعدة، المسؤولين الدنماركيين من الإدلاء بآرائهم، حتى لو خالفت الموقف الرسمي. يشكك أوو ساندلر، المسؤول في وزارة الخارجية، في التزام القادة سياسة مستمرة حيال البيئة، تستمر حتى العام 2050، بحسب ما يزمع المشاركون في مؤتمر «كوب 15» فعله. ويلاحظ أن السياسيين يهتمون بأمور معينة مثل مدة ولايتهم وقاعدتهم الانتخابية، ما يفتح المجال للتشكيك بجدية التزامهم تنفيذ خطط قد تتجاوز حدود ولايتهم. ولا يقول المسؤول الدنماركي ذلك ليروّج للقادة في السلطة، ولا يستثني من ذلك السياسيين في بلاده. نموذج آخر عن ممارسة الديموقراطية في الدنمارك يظهر خلال زيارة للتلفزيون الرسمي «دي آر». لم يتردد أي من العاملين في القول بأن التلفزيون يخدم الدولة، في تعابيرها السياسية كافة، وليس السلطة. هو لا يمالئ السلطة ولا أي رمز من الرموز السياسية في البلاد. والعمل في التلفزيون لا يعني ولاء لمن يمسك بمقاليد الحكم، فالبرلمان هو مرجع التلفزيون، والقاعدة هي إتاحة مساحات بصرية لكل الأحزاب السياسية، إذ يشدد عاملون في التلفزيون على أنهم يحرصون على إتاحة مساحات من البث للآراء المخالفة، مهما اشتطت. وجاء مثال على ذلك أثناء نقاش عن تحقيقات مصورة عن التغيير مناخياً، حيث أوضحوا ان إدارة التلفزيون الرسمي تؤيد وجهة النظر التي تربط بين اضطراب المناخ والنشاط البشري، من دون أن يمنع ذلك بث الآراء المخالفة. وتبقى من زيارة الدنمارك أيضاً علامات فارقة قوامها البساطة والسهولة وهجران المظاهر المُدعية للسلطة ورموزها، وهي علامات سادت اللقاءات مع مسؤولين حكوميين، خصوصاً وزيرة الطاقة والمناخ كوني هيدغار التي عرضت سياسة بلادها في تنويع مصادر الطاقة. خصوصاً الاعتماد على طاقة الريح مثل «أماغير ستراند بارك» (شاطئ اكتسبته الدنمارك بالجهد البشري) الذي يقابله أحد أضخم مشاريع استخراج الطاقة الكهربائية من الريح («مزرعة ريح بحرية») في الدنمارك، وربما العالم.