حملت الانتخابات الأخيرة للمجتمع اليوناني والمهاجرين الذين يعيشون فيه انقلاباً بمقاييس الساحة اليونانية. فقد خسر حزب اليمين الحاكم منذ 2004 «الديموقراطية الجديدة» ستين مقعداً نيابياً وهي خسارة كبيرة جداً، ذهب معظمها الى الاشتراكيين «باسوك» الذين حصلوا في النهاية على مئة وستين مقعداً نيابياً وهي أغلبية مريحة لتمرير مشاريعهم الموعودة. وحافظ الحزب الشيوعي على مقاعده الواحد والعشرين، فيما زاد حزب اليمين المتطرف «لاوس» مقاعده من 12 الى 15، أما حزب «تجمع اليسار والتقدم» ففاز بثلاثة عشر مقعداً مسجلاً خسارة مقعد واحد، فيما فشل حزب «الخضر» في دخول البرلمان. وبالطبع لعب الشباب دوراً مهماً في تحويل النتيجة لمصلحة الاشتراكيين، ويمكن الرجوع هنا إلى الأحداث التي ألهبت أثينا خلال شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي، واشترك فيها آلاف الشباب والفتيات احتجاجاً على مقتل مراهق على يد رجل أمن، ما وضع الحكومة اليمينية في مهب الريح أمام غضب الآلاف من المحتجين، وتحدث بعض المراقبين عن قرب سقوط الحكومة وعن إعلان حال الطوارئ، لكن أياً من الأمرين لم يحدث، إلى أن جاءت الانتخابات الأخيرة، وأسقطت الحكومة في صناديق الاقتراع. هذه الأحداث التي لم تغب عن ذاكرة أثينا، لا تزال محور أحاديث الشارع اليوناني، خصوصاً أنها تأتي مضافة إلى مشكلات اجتماعية تضرب الشباب بشكل خاص مثل البطالة، والأجور المتدنية التي تعطى لخريجي الجامعات الذين بات يطلق عليهم اسم «جيل ال 700 يورو». كل ذلك التراكم، دفع فئات واسعة من الناخبين الشباب الى السعي الى التغيير، بغض النظر عن الانتماء السياسي. وفي المقابل كانت هناك خيبة أمل كبيرة في صفوف الشباب اليميني جراء الفضائح الكبيرة التي تورطت بها شخصيات معروفة من الحزب لم يحاسب أي منها عليها عدا عن العجز عن حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. واهتمام الاحزاب اليونانية بالشباب، يسارية كانت أو يمينية، ليس حديث العهد. بل حرصت تلك الأحزاب ومنذ نشوئها على فروع الشباب والطلاب، واهتمت بشكل كبير بنقل مبادئها الفكرية الأيديولوجية الى الأجيال الشابة حرصاً منها على صون كياناتها واستمراريتها. وخلال فترة الانتخابات تقوم الشبيبة التابعة للأحزاب عادة بالأعمال التي لا يجد الكبار القوة والوقت للقيام بها، وهي المساهمة في الحملات الانتخابية، ويشمل ذلك الدعوة الى الحشود والحملات الانتخابية وتنظيمها وإظهار قوة الحزب وشعبيته من خلالها، وتعليق اللافتات والملصقات الحزبية، والدعاية لمرشحي الحزب في مختلف المجالات المتاحة. ويمتد التواجد الشبابي في الأحزاب اليونانية من المنظمات الطلابية والشبابية إلى مساعدي النواب والمسؤولين، وصولاً الى انتخاب شاب في الثلاثينات (أليكسيس تسيبراس) رئيساً لحزب «تجمع اليسار والتقدم»، وإن كانت هذه ظاهرة جديدة وفريدة على الأحزاب اليونانية. وبطبيعة الحال تعتنق الشبيبة التابعة لكل حزب آراء مفكريه ومنظريه بشكل تام، وإن كان المجال لا يخلو من بعض المناقشات والمناظرات، لكن على العموم تدعو الشبيبة التابعة للحزب إلى تطبيق نظرياته ومقترحاته حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية وتجادل فيها وتحاول إيجاد الحجج والقرائن على صحتها. حركة الشبيبة التابعة ل «الباسوك» تحمل أفكاره التي تنادي بحياة أفضل للشباب والطلاب المقبلين على أعمال مثل الزراعة والاستثمار، والمناداة بحياة أفضل للأسر الجديدة، أما بالنسبة الى قضايا المهاجرين فقد وعد رئيس الحزب جورج باباندريو أكثر من مرة بحل مشاكل الجيل الثاني منهم وهم الذين ولدوا في اليونان ولا يستطيعون الحصول على إقامة فيها، بحيث يحصلون على مستندات إقامة ويأمنون توقيف الشرطة المتكرر لهم، ولا تغيب كذلك القضايا الدولية والرؤية الاشتراكية لها، بخاصة أن زعيم الحزب جورج باباندريو هو في الوقت نفسه زعيم الحركة الاشتراكية الأممية. ولعل اللافت أن شعارات الشباب اليميني الاجتماعية لا تختلف كثيراً عن شعارات اليساريين، فهي تتكلم عن الرفاه الاجتماعي، لكنها لا تهمل قضايا قومية مثل قبرص والجارة الشمالية مقدونيا حيث ترفض اليونان تسميتها رسمياً بهذا الاسم، إضافة الى أن مقاربة قضايا المهاجرين متشددة نوعاً ما، وإن كان هذا الأمر لا يصرح به بشكل سافر. ويعتبر شباب الحزب الشيوعي أكثر الشبيبة نشاطاً وانضباطاً إذ يقدمون خدمات للحزب بشكل مستمر، كما أنهم يلتزمون بشكل صارم بتعليمات الحزب الذي لم يغير خطه واحتفظ بالنسبة نفسها من المؤيدين (الحزب الثالث في البرلمان) منذ تم الترخيص له عام 1974، وذلك بعد سنوات من الحظر والملاحقة الدموية من قبل السلطة اليمينية. أما شباب حزب اليمين المتطرف «لاوس» فهم يحاولون اليوم إعادة تصنيف حزبهم ضمن اليمين الوسط، لكنهم يركزون بشكل دائم على الخطر القادم من المهاجرين السريين، ويعتبرون الهجرة السرية والمهاجرين أكبر مشكلات اليونان الداخلية، ويدعون الى فرض سياسة الحدود المغلقة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين. حزب «تجمع اليسار والتقدم» يعتبر اليوم أصغر الأحزاب داخل البرلمان، وهو عبارة عن تكتلات سياسية مختلفة، وتتلاقى فيه كتل شبابية عديدة، ويعتبر الحزب من أكثر المؤيدين للأجانب ومنحهم حقوقهم في اليونان. ولم تغب أفكار البيئة والمحافظة عليها من برامج الأحزاب المختلفة، بخاصة مع ظهور حزب «الخضر» المتفرد في هذا المجال، والمتوقع له أن يحرز المزيد من التقدم خلال السنوات القادمة على رغم فشله في دخول البرلمان خلال الانتخابات الحالية. كما تختلف آراء الشباب الحزبي حول قضية مهمة وهي قانون الحرم الجامعي التي يمنع بموجبها رجال الشرطة من دخول الجامعات اليونانية، ويطالب الشباب اليميني برفع هذا الحظر فيما يرفض اليساريون ذلك، إذ إن المعتصمين في الجامعات والمتظاهرين فيها غالباً ما يكونون منهم.