شوارع العاصمة الجزائرية مشغولة هذه الأيام بالحديث عن المباراة المؤهّلة لكأس العالم في كرة القدم في جنوب افريقيا بين منتخبي الجزائر ومصر في القاهرة في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وعبر أزقة باب الوادي، الحي الشعبي في الطرف الغربي من العاصمة، تتشكل مجموعات من الشباب مع حلول كل مساء، وتدخل في نقاشات مطولة حول احتمالات تأهل «الخضر» على حساب «الفراعنة» للنهائيات في جنوب افريقيا. وتنتهي النقاشات في الغالب بإطلاق هتافات تشيد بالمنتخب الجزائري. وفي سوق «الدلالة» قرب ساحة «الساعات الثلاث» في قلب باب الوادي، وهي سوق مختصة في الخردوات والألبسة والتجهيزات التي يجلبها عادة المهاجرون الجزائريون العائدون إلى بلادهم، يتنافس الباعة على جذب الزبائن لشراء قمصان فريق «الأخضر» بإطلاق أغان تثير حماسة مشجعي الفريق الجزائري ضد منافسه المصري. كان فؤاد حمليلي، وهو أحد الباعة، يحمل لعبة نارية قوية اللهب يستعملها الصياديون في العادة، وانتشر دخانها بسرعة ما جلب نحوه عشرات الأشخاص. وما هي إلا لحظات حتى انطلقت أهازيج «معاك يالخضرا» التي باتت الأغنية الأولى لمناصري الفريق الجزائري والأكثر تحميلاً على أجهزة الهاتف النقال بين الجزائريين. ويقول فؤاد، وهو يعرض قمصاناً تحمل إسمي لاعبين إثنين فقط، هما كريم زياني ومراد مغني لاعبا خط وسط «الخضر»، إن «هذه ثالث كمية من ألف قميص تكاد تنفد منذ أسبوع». ويضيف: «سنتنقل إلى القاهرة مهما كان الثمن ونحتفل بالنصر والتأهل هناك». ويقول مسؤول في دائرة الإعلام في وزارة الشباب والرياضة: «هي مباراة كرة قدم ضد بلد شقيق ... ولكننا وجدنا أن الجماهير بات سلوكها مرتبطاً في شكل مباشر بما يصدر من أنباء في وسائل الإعلام». واضاف أن «تصريحات إعلاميين مصريين كانت محل سخط كبير لدى الشارع الجزائري، في حين مكنت تصريحات أخرى من تهدئة الغضب». ويقول نصر الدين جابي، المختص في علم الإجتماع، إن تصوّر الجماهير الجزائرية أن «موقعة القاهرة مباراة حياة أو موت يبرره خيبة الجماهير من مختلف أوجه البناء السياسي والإجتماعي في الجزائر... ولذلك إن المنتخب الجزائري تحوّل إلى منفذ للتعبير عن الفرح أو الغضب على حد سواء». ويُلاحظ في هذا الإطار أن فرح الجزائريين أو غضبهم من منتخبهم ينعكسان على أذواقهم الموسيقية. فقد سُحبت من الأسواق مثلاً أغان لفرقة شبابية كانت تتغنى بفريق «الخضر» قبل سنوات، ولكنها عكست واقعاً جارحاً وُصفت فيه النخبة الجزائرية ب «كرعين المعيز» (أرجل الماعز). ومن الأغاني في أيام «الغضب الجماهيري» عندما كانت نتائج المنتخب غير مشرّفة، كلمات تتغنى بالهجرة بدل النظر إلى نتائج الفريق مثل عبارة «روما ولا أنتوما» ومعناها «روما الإيطالية ولا أنتم». ثم انقلبت الأذواق الموسيقية لملايين من الشباب الجزائريين عندما بدأ فريقهم يحقق نتائج جيدة. وفي لمح البصر نزلت إلى الأسواق أشرطة عديدة تتغنى بالمدرب رابح سعدان وعناصر الفريق الذي شكله في ظرف 18 شهر. و «يختفي» وراء نتائج الفريق الجزائري دعم سياسي كبير لا يبدو ظاهراً للعيان. إذ بيّنت الأيام الماضية أن كل من ينتقد أداء «الخضر» أو خيارات المدرب يُعتبر خارجاً عن القانون، وربما يرشق بتهمة «الخيانة» للقضية الوطنية. ف «محاربو الصحراء» باتوا قضية أمن دولة، على حد وصف معلّق ساخر في إحدى الصحف الجزائرية. ومكّن الضغط الجماهيري على وزارة الشباب والرياضة من إصدار قرار بتخفيض سعر التذكرة الواحدة نحو القاهرة لحضور «مباراة الحسم» الشهر المقبل إلى 50 ألف دينار جزائري (حوالي 650 دولاراً). وإضافة إلى الرحلات الجوية، بدأت التحضيرات ل «قوافل» من مناصري «الأخضر» للتوجه إلى القاهرة براً عبر الأراضي الليبية، وهو ما قد يزيد من «الشحن» عشية المباراة المصيرية للفريقين.