في الوقت الذي يذهب فيه بحث السرحان إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة في الراجح من أقوال أهل العلم، ينقل الباحث الدكتور عبد العزيز المسعود في كتابه «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة» إجماع فقهاء الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تفصيل في من ينزل عليه هذا الوجوب، ونقل المسعود عن أبي بكر الجصاص وابن حزم والنووي والشوكاني والسهارنفوري وغيرهم أنهم حكوا إجماع فقهاء الأمة على وجوبه. ولكن نوع الاختلاف في حكمه في وقوع هذا الواجب هل هو وجوب عيني أو كفائي أو وجوب عيني عند الاستطاعة. ومدار هذا الاختلاف مبني على النصوص الواردة في القرآن والسنة، في الآيات «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف..»، وغيرها من الأحاديث التي هي مدار الخلاف بين العلماء في الحكم، ولم يتعرض لها السرحان في بحثه ولم يتطرق إليها بالدراسة بالرغم من كونه قام بترجيح أحد هذه الأقوال بطريقة عابرة. وباختصار أقوال العلماء في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ينقله المسعود في كتابه نرى أنه بعد إثبات إجماعهم على وجوبه فإن أقوالهم تعددت في تنزيل حكمه، فمنهم من قال إنه فرض عين وهو قول الزجاج والسهارنفوري والتلمساني وعبد القادر عودة ومحمد عبده. ويناقش المسعود هذا القول بأنه إذا كان قصدهم أن على كل مسلم أن يلاحق المنكرات فهو قول مردود، وأما إذا كان قصدهم أنه متعلق بكل فرد بحسب طاقته وعلمه واستطاعته فهو قول حسن. ومنهم من قال إنه فرض كفاية، وهو قول القرطبي وابن كثير وأبي بكر بن العربي وأبي بكر الجصاص والزمخشري والرازي وابن قدامة والغزالي وابن تيمية والنووي وابن حجر. وآخرون قالوا بأنه حسب الاستطاعة وهو قول لابن حزم الظاهري وقول والقرطبي وابن القيم، وهو رأي مقارب للقول بأنه فرض كفاية. وهو كذلك رأي الإمام ابن حنبل ونقله عنه الخلال في كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ص36 و37 ولم ينقله بحث السرحان في حين أنه نقل من الصفحة التالية له 38 أنه سنّة فقط. وآخرون قالوا إنه سنة، وهو الذي ذهب إليه السرحان في «المرهجون» نقلا عن الخلال الذي رواه عن الحسن في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو قول انتقده المسعود بمخالفته للنصوص الصريحة، ولأنه مخالف لإجماع الأمة، ولأنه قد يكون مراد الحسن بقوله «نافلة» أنه ليس بفرض عين ولكن على الكفاية». وفئة أخرى قالت إن الأمر المعروف والنهي عن المنكر حكمه حكم ذلك المنكر، فإن كان في ترك واجب وفعل محرم فالإنكار واجب، وإن كان في ترك مندوب وفعل مكروه فمندوب، وهو قول ابن الإخوة والالوسي وابن مفلح الحنبلي. ويعلق المسعود على هذا القول بأنه قول متساهل. ومن النقاط التي تطرق إليها بحث المسعود أيضا ما يتعلق بالربط بين ظواهر العنف والخروج على الحاكم وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بسبب الخلط بينه وبين مسائل الجهاد؛ بسبب أنهما يجتمعان في أنهما من فروض الكفاية وأن كلا منهما يحتاج إلى جهد ومشقة وتضحية وأن القصد منهما السعي لإعلاء كلمة الله، ومن ذلك أن كلاهما يدخل فيه الأجر والاحتساب. لكن كتاب «المرهجون» لم يتعرض للفروق المميزة بين الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أن الجهاد ينصرف إلى مجاهدة الكفار بالسلاح، وأما الأمر بالمعروف فهو يشمل المسلم والكافر في الإنكار والغالب أن يكون داخل المجتمع المسلم، وأن الجهاد يصاحبه القتال غالبا بخلاف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يكون فيه القتال من النادر، كما أن الجهاد لا يكون إلا تحت قيادة الإمام أو نائبه، فيما يكون الأمر بالمعروف حقا في الأفراد والجماعات وبترسيم من الدولة أيضا.