في تطور يعكس النفوذ المتزايد لحزب «الأصالة والمعاصرة» الذي شكّله الوزير السابق المنتدب في الداخلية المغربية فؤاد عالي الهمة، انتُخب رئيس الحزب الجديد محمد الشيخ بيدالله المتحدر من أصول صحراوية رئيساً للغرفة الثانية في البرلمان المغربي (مجلس المستشارين) بغالبية 140 صوتاً في مواجهة مرشح الغالبية النيابية المعطي بن قدور الذي أخفق في حشد تأييد كل الكتل النيابية الداعمة للائتلاف الحكومي. وكشفت المصادر أنه باستثناء نواب أحزاب «الكتلة الديموقراطية» الثلاثة، وهي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذين صوّتوا لمصلحة المعطي بن قدور، باعتباره مرشح الغالبية الحكومية، فإن حزبي تجمع الأحرار الذي ينتسب إليه بن قدور وكذلك الحركة الشعبية التي انضمت أخيراً إلى حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي، لم يدعما ترشحه وفق ما كان مقرراً. وأضافت المصادر أن رئيس الوزراء المغربي رأس اجتماعين على الأقل لأحزاب الائتلاف الحكومي وحضها على تقديم مرشح واحد. إلا أن معطيات تتعلق بتحالفات تجمع الأحرار الذي كان شكّل كتلة نيابية مشتركة في السابق مع حزب «الأصالة والمعاصرة» في مجلس النواب، دفعت كتلته في مجلس المستشارين إلى دعم المرشح الشيخ بيدالله في سابقة تكاد تعتبر الأولى لناحية دعم حزب مشارك في الحكومة مرشح حزب آخر اختار المعارضة منذ انتخابات البلديات في حزيران (يونيو) الماضي. وأضافت المصادر أن الأزمة التي يجتازها تجمع الأحرار، وتحديداً رغبة بعض قيادييه في إطاحة رئيس الحزب مصطفى المنصوري الرئيس الحالي لمجلس النواب، كانت وراء هذا التململ، خصوصاً أن تضييق الخناق على المنصوري الذي يُقال إنه بات يحسب أيامه الأخيرة في هذا المنصب، قد يكون وراء انضمام عدد من نواب هذا الحزب إلى دعم مرشح «الأصالة والمعاصرة». وكان المنصوري وراء فك تحالف حزبه مع الأصالة والمعاصرة في وقت سابق، بل إنه اتهم حزب الوزير السابق المنتدب في الداخلية، عالي الهمة، بأنه «يعاود تجارب الماضي» التي يصفها المغاربة ب «سنوات الرصاص»، ما أدى إلى صدور بيان شديد اللهجة عن «الأصالة والمعاصرة» ضد المنصوري، وكذلك ضد قياديين بارزين في الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» كرروا اتهامات مماثلة ضد «الأصالة». ويربط أكثر من طرف بين رغبة رئيس الوزراء الفاسي في الحفاظ على تماسك الغالبية النيابية التي تدعم حكومته وتركه الحرية لبعض الأحزاب في التصويت لمصلحة مرشح من خارجها لرئاسة مجلس المستشارين. وتذهب الأوساط ذاتها إلى الحديث عن دور جديد قد تضطلع به الغرفة الثانية، خصوصاً أنها رفضت في صيف العام الجاري درس مشروع قانون حول «مدوّنة السير» كان مجلس النواب صوت لمصلحته. وفيما كانت حكومة الفاسي تعول على أن تكون القراءة الثانية للمشروع فرصة لإجازته، فوجئت بموقف متشدد لمجلس المستشارين، على خلفية الإضراب الكاسح الذي كان شل قطاع النقل نتيجة رفض تنفيذ مدونة السير. ومع أن من السابق لأوانه الحديث عن مواجهة بين حكومة الفاسي ومستشاري الغرفة الثانية الذين صوتوا لمرشح المعارضة، فإن مجرد التلويح بصلاحية الغرفة الثانية في طلب سحب الثقة من حكومة الفاسي بعد توجيه إنذار لها، وفق ما ينص عليه الدستور المعدل، يشير إلى المخاطر التي باتت تواجه الحكومة. ويعوّل «الإصالة والمعاصرة» الذي استطاع أن ينفرد بالمرتبة الأولى في انتخابات ثلث مجلس المستشارين، على محطة الاستحقاقات الاشتراعية لعام 2012، ليُحدث تحولاً في المشهد السياسي في البلاد. فإذا كانت الطريق سالكة أمامه لمعاودة تكرار حيازة مقاعد أكبر، كما حصل في الانتخابات البلديات الأخيرة، فإن ذلك سيعني نهاية تجربة «التناوب السياسي» التي حملت أحزاب المعارضة السابقة إلى الحكومة. غير أنه سيكون عسيراً عليه أن يضمن تشكيل غالبية نيابية من دون أن يحصل على دعم بعض مكونات الحكومة الحالية. إلى ذلك، عزت المصادر الدعم الذي ناله مرشح «الأصالة والمعاصرة» للوصول إلى رئاسة مجلس المستشارين بأنه بمثابة تلويح بإمكان خلخلة المشهد السياسي الحالي الذي يعتقد بعض الأوساط أنه قد استنفد الكثير من مهماته. وبدا واضحاً أن العاهل المغربي الملك محمد السادس باختياره قبل أيام التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية بديلاً من مطالب فاعليات سياسية بإصلاحات دستورية، إنما يريد أن يحدد أجندة انشغالات الحكومة حالياً وفي المستقبل القريب بالملفات الاقتصادية التي يعتبرها تستحق أولوية الاهتمامات على غيرها من المواضيع. بين انشطار تجمع الأحرار وإمكان تعرض الائتلاف الحكومي إلى أزمة، يراهن عباس الفاسي رئيس الوزراء على الإمساك بالعصا من الوسط. وقد بدا جلياً انه لا يرغب في الدخول في مواجهة مع «الأصالة والمعاصرة»، تماماً كما أنه لا يريد للتحالف القائم بين مكونات حكومته في إطار «الكتلة الديموقراطية» أن يتعرض لتصدع قبل أن تستكمل حكومته عامها الثالث في ولاية يراهن على أن تدوم خمس سنوات.