تفقد بعض الجوائز صدقيتها في لحظة مفاجئة بمنحة مجانية تذهب في جو أشبه بالصدمة، ولا غرابة لهذا المشهد، فقد تختلف معايير الاختيار وضوابط الترشيح بين عشية وضحاها، حتى وإن تم اقتصارها وفقاً للرغبات وجودة التخطيط على مقتطفات غريبة، أو ملاحظات هامشية تذهب إثرها للأحضان لتتناقلها وسائل الإعلام دون البحث عن جدية الاستحقاق أو كفاءة الفائز، وجائزة نوبل الأخيرة في فرع السلام المثال الواضح جداً على أن المجاملة والنفاق واللعب بالأوراق باحترافية أولى المعايير الجديدة، وقد يمضي على عشاق المنابر والهيئات البراقة خبر حصول باراك اوباما على جائزة نوبل للسلام بشيء من الافتتان، لأنهم معجبون ومتفائلون به حد الموافقة والبصم بالعشرة، وانه أجمل السُمْر وأنقاهم وأكثرهم مروراً على ما في الخواطر، حتى ولو بذر شيئاً من الكلمات المطولة والجمل المطاطية التي لم تؤتِ ثمارها، ولنا الحق في استبدال «لَمْ» ب(لَنْ) في أي توقيت نشاء، منا من هو مهووس من الرضاع بمن يدق على وتر الكلمة ولو ضمنياً على هيئة خطبة ورقصة وعرضة، أو بالطبطبة الموقتة، ولذا استلم «أوباما» هواة وعشاق المنابر بخطب عصماء مطولة يثبت نباهته وسرعة استعراضه لكل أحداث العالم، والاعتراف الضمني بأن كل الأحداث - مثار الخلاف واختلاف الرؤى - تقع ضمن حدود أولوياته وخطوط سياسته البارزة والممنهجة سلفاً «من الخلف» لا عبر الواجهة ليترك الاستمتاع مفتوحاً على طنين الجمل الإنشائية وحرية الاستيقاظ لبعض جملها، والنوم المتواصل تجاه حشو بعضها الآخر. أفسر بعقلانية بحتة ومنطقية تامة بل اعتبر حصول «أبا حسين» على الجائزة بمثابة رشوة سياسية وجسر مرن يمكن من خلاله وصول القرارات الفاضحة إلى طاولته لهز الرأس بالموافقة فوراً، فالوجوه من الوجوه تستحي، وهكذا علمتنا الحياة. الجائزة قُدِمَت لاوباما مبكراً حتى تزيد من قناعة المراهنين على استحقاقه لمجرد بلاغة أسطر، ونصوص نثرية مغرية تشبه الأقراص المهدئة، أو لسابق معركة عابرة مع ذباب ضل الطريق فهش عليه بحركة ملاكمة تمويهية ليعتبر صديق سلام من العيار الأول، ذهبت له الجائزة حتى تعد الوجبات المقبلة بصمت في ظل اكتفائنا الذاتي بمجرد السرور بأحقية من حصل على الجائزة! ومع الطرح الصريح الماضي لست متشائماً من الفائز الجديد، ولا أيضاً بذات القدر من الصراحة أكون متفائلاً به حد الانغماس في إعجاب سريع يأخذ كل ملامح وحدود التفكير المنطقي والعقلاني، فكل ما قام به حتى تاريخه مجرد حديث منابر ومانشيتات صحف، تعاطفنا معه ذات يوم سابق لأنه الأقرب اسمياً وجينياً ومكانياً، ولأنه الأسمر الأنيق الذي سيقلب المعادلة أو يوازنها بين طرفين لم يتكافئا، أو لم يحن الوقت بَعْد لأن يتكافئا؟! وللمعجبين الكثر الذين أسعدهم خبر حصول السيد الرئيس أقول لهم هو يستحق الجائزة في الوقت الحالي بتحويل موقت للشعار من رمز للسلام إلى منحة للكلام، ولا أظن منحه بعد عامين مقبلين وعقب استعراض كافٍ لسجله خلال المرحلة يصعب كثيراً على من منحه سريعاً قبل أن يتم مشاهدة جزء من السطور على الواقع، كما كتبت مسبقاً على الطريقة الاوبامية الجديدة، والتقاطه نسمة الحرية التي ينادي بها مع كل إطلالة، لكن على ألا تكون كالحرية التي وعد بها العراق ذات زمن مضى حين كانت الحرية على هيئة الموت، وقيل لحظتها «لم نكذب في الوعود ألم تكن الحرية الحقيقية هي الموت» فلم نستيقظ على الإطلاق لدكاكين بيع الكلام المجانية المتلاحقة، وهي ما حاز باراك اوباما الجائزة من أجلها وسيخطط بذريعتها تحت عذر «للمجتهد أجران». [email protected]