جلس وزراء أتراك برئاسة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو مع 11 وزيراً سورياً برئاسة معاون نائب الرئيس العماد حسن توركماني، لساعات في قاعتي الاجتماعات في مدينتي حلب السورية وغازي عينتاب التركية اللتين شهدتا أمس أول اجتماع وزاري ل «المجلس الاستراتيجي المشترك» الذي شكله البلدان في ترجمة ملموسة ل «إزالة الحدود المصطنعة»، بحسب داود أوغلو.وعرض كل وزير في شكل مكثف رؤية لكيفية الإفادة من «اليوم التاريخي» في تعزيز العلاقات في جميع المجالات، بما فيها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية. وأضفى قرار أنقرة إلغاء مناورات جوية مع إسرائيل بعداً آخر على الاجتماعات، إذ قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن بلاده «تدعم وتشجع تركيا على مثل هذه الإجراءات» بسبب استمرار إسرائيل في عدوانها وإجراءاتها ضد المسجد الأقصى واستمرارها في الاحتلال، مشيراً إلى انفتاح دمشق على «علاقة استراتيجية» مع أنقرة يكون البلدان «رابحين فيها»، ضمن «الرؤية الاستراتيجية» للرئيس بشار الأسد. ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سورية الشهر المقبل، كي يترأس مع نظيره السوري محمد ناجي عطري اجتماع «المجلس الاستراتيجي» لإقرار النتائج التي توصل إليها الاجتماع الوزاري أمس، بعد أقل من شهر على إنشاء المجلس خلال زيارة الأسد اسطنبول منتصف الشهر الماضي. وفي بداية الاجتماع، قال توركماني إن تشكيل المجلس كان «نتيجة طبيعية للتطور السريع» في العلاقات الثنائية مع «التطلع إلى آفاق جديدة وتوسيع التعاون والتكامل في جميع المجالات»، وصولاً إلى «مرحلة جديدة في العلاقات» على أساس الخروج ب «نتائج ملموسة». في المقابل، أعرب داود أوغلو عن سعادته لعقد الجلسات الأولى للاجتماع في حلب «ملكة الشرق» في الوقت الفاصل بين «احتفالات شعبينا بعيد الفطر السعيد والأضحى». وقال إن الوزراء بدأوا أمس «صناعة التاريخ» عبر البحث في توثيق العلاقات وتوقيع بروتوكول إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، كي «نقتسم المستقبل والمصير المشترك» وصولاً إلى «صياغة المستقبل معاً» عبر استنشاق شعبي البلدين «ذات الهواء وذات البيئة». وأكد الوزير التركي وجود «إرادة سياسية لتحويل المجلس إلى آليات سياسية للحوار والتعاون»، وأن يتحول البلدان من «التعاون إلى التكامل الاقتصادي» في شكل عام وإلى «تكامل اقتصادي بين مدينتي حلب وغازي عينتاب» في شكل خاص. وأضاف أن الاجتماع الذي سيعقد برئاسة أردوغان وعطري سيقر «شراكة» في مجالات الطاقة والزراعة والصحة والثقافة والتربية ومجالات أخرى، كي «تصبح العلاقات نموذجاً جديداً في المنطقة يحتذى». وإذ نقل إلى «الرئيس الأسد والحاضرين والشعب السوري تحيات الرئيس عبدالله غُل وأردوغان»، رأى في ما يحصل «إزالة للحدود المصطنعة» بين سورية وتركيا. وكان الوزير المعلم اتفق مع وصف تركيا الاجتماعات الوزارية أمس بأنها «حدث تاريخي» قام خلاله الوزراء المعنيون بالبحث في جدول الأعمال الذي يتضمن نقاطاً للتعاون في عشرة مجالات تشمل «استمرار التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية»، وتطوير «استراتيجيات مشتركة» بينهما، إضافة إلى «حماية المصالح المتبادلة في أماكن لا يمثل فيها أحد البلدين ديبلوماسياً»، و «الدعم المتبادل لمرشحي البلدين في المحافل الدولية وتدريب الديبلوماسيين». وفي المجال الاقتصادي، بحث الجانبان في مزيد من التعاون في إطار اتفاق التجارة الحرة لعام 2004 وتسهيل التعاون في مشروع تطوير جنوبي شرق الأناضول «غاب» لتطوير شمال شرقي سورية، أي بعدما كان «غاب» محل قلق في التسعينات، نجح البلدان في تحويله إلى مساحة مشتركة للتعاون، كما حصل مع الحدود وإزالة الألغام في الجانب التركي منها لإقامة المشاريع المشتركة. وتضمن جدول الأعمال تشجيع التعاون في مجال الطيران و «تسهيل العمل في البوابات الحدودية للإجراءات الجمركية» وربط شبكتي السكك الحديد والنقل البري والبحري والتعاون في مجال الاتصالات والبنية التحتية للإنترنت والغاز الطبيعي والكهرباء، إضافة إلى إبرام مذكرة لمكافحة الجفاف والإدارة الفاعلة للمياه، باعتبار أن شمال شرق سورية عانى مشكلة جفاف قبل سنتين، والتعاون في المجالات الثقافية والتعليمية والرياضية والسياحية ليصبح البلدان «مقصداً واحداً» للسياح. وقال المعلم إن جدول الأعمال نص أيضاً على «توسيع التعاون في إطار اتفاق أضنا الأمني» لعام 1998 الذي بدأ نقطة التحول في العلاقات وصولاً إلى الزيارة التاريخية للأسد في مطلع عام 2004 كأول رئيس سوري يزور تركيا، كما تضمن تعزيز التعاون العسكري في إطار الاتفاقات القائمة بين دمشقوأنقرة. وأضاف أن البلدين بحثا في التعاون الزراعي على الحدود بعد إزالة الألغام وتقديم الدعم للصناعات الغذائية وإقامة تعاون في مجال تقنيات الزراعة وإدارة الحرائق. وكان الحديث عن احتمال قيام شركة إسرائيلية بإزالة الألغام من الجانب التركي من الحدود «مثار جدل في تركيا وقلق في سورية» إلى أن حسم لمصلحة قيام تعاون فني تركي مع حلف شمال الأطلسي، ورفض التعاون مع إسرائيل. ويُنتظر أن يزور أردوغان دمشق الشهر الجاري في إطار المجلس المماثل المشكل مع العراق. وسألت «الحياة» المعلم عما إذا كان ذلك يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد لقاءات ثلاثية، فأجاب أن هذا يتطلب «إنهاء الأزمة المفتعلة من حكومة نوري المالكي مع سورية، وأن يطلب الجانب العراقي من دمشق تفعيل المجلس الاستراتيجي» الذي شُكل في 18 آب (اغسطس) الماضي، على أن تبت دمشقوأنقرة وبغداد في عقد لقاءات ثلاثية في مجالات محددة مثل المياه والطاقة والري. وأشار المعلم إلى أنه أبلغ نظيره العراقي هوشيار زيباري خلال اللقاء الرباعي (بحضور داود أوغلو والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى) في نيويورك الشهر الماضي بأن العراق لا يستطيع «السير بمسارين في آن»، وأن سورية لن تقبل بذلك، وعلى بغداد أن تختار إما مواصلة المساعي الإقليمية التي يقوم بها الجانب التركي والجامعة العربية أو اللجوء إلى الأممالمتحدة باعتبار أن هذا شأن عراقي.