يحضر صوت المنبر كأقوى صوت، كونه يستهدف الشريحة الأكبر من المتقاطعين مع كل ما يستجد، هذا إن كان الصوت المتحدث يعي قيمة الكلمة ويدرك حجم منبره، ويبحث عن المستجد ليضيء له الطريق في العقول، ويوضح جل التفاصيل الدقيقة بعمق رؤية يصل للهدف والمراد، منبر الجمعة الإسلامي أكثرها وصولاً للعقل والقلب، لأنه يأتي والجميع في حالة استرخاء وتأهب مسبق وقبول للعلم والمعلومة لتحتضن الأفئدة المضمون والمحتوى كأرقى كلمة وأسمى أحرف تلتقطها الأسماع وتلتقيها الأعين ظهيرة عيد المسلمين الأسبوعي «يوم الجمعة»، فضلاً عن أنه يسهل الوصول له بالمجان وحتمية التواصل الديني الشرعي، وللحرم المكي صوته المسموع من أنحاء شتى، ومحط أنظار أفراده الذين يحبونه حباً لا يليق إلا به، صدح منه على العادة والمعتاد صوته الأنيق إمامه المفوه الشيخ عبدالرحمن السديس ظهيرة الجمعة الماضية بخطبته المتزنة المتوازنة الملمة بالمعطيات والقارئة بوعي مختلف للمستقبل المقبل بكل حرفية ومثالية، بعيداً عن الخوف اللا مبرر والتقاط نقاط الظل والضعف لإحالتها لمثبطات عزيمة وعزم، نقلنا المحتوى الجذاب لحالات ارتياح تام وتفاؤل منقطع النظير، وعزز من قدرتنا وثقتنا على معايشة الجديد وتلاحم أفكار المجتمع الواحد تحت مظلة القائد المفكر طالما كان هذا صوت منبرنا الأول وبهذا الحد الفارع من الوعي. رسم الخطاب الديني ظهيرة الجمعة لوحة شافية بحروف من ذهب للطريق الذي وضعت هذه الأرض ورجالاتها أقدامها الأولى بثبات عبر جامعة الملك عبدالله، وانه لا يمكن أن نتجاهل هذا المنجز التاريخي بل يلزم أن نفخر به ونقف معه، فما يجب أن يُعْرَف أن هذه الأرض ستحسد بمنجزها وترغب في أن يكون أبناؤها خلفها دعماً ورافداً للقفزات المتتالية، ودافعاً لكل حالات تثاؤب قد تصيب، أو استرخاء مفاجئ عبر صوت آخر، أو طرح مستعجل سريع. الخطبة بمضمونها إضاءة مباشرة على المنارة العلمية الحضارية، وجاءت في وقتها من المنبر الأغلى - الأعلى عبر الخطاب الديني الأكثر شهرة واستحواذاً على كل القناعات، وبشرح وسط عريض معتدل وفق إطار واضح الملامح للثوابت الدينية والاجتماعية والوطنية. لا نريد أن تلغى كل مشاريعنا العملاقة عبر أقلام الرصاص، بل لا بد لها أن تثبت بكل الألوان الناصعة الجمال، وألا نتعاون لسلب أحقيتنا في تعزيز الجوانب المعرفية والعلمية للوصول إلى أكثر من مناص تتويج، الخطبة المعاصرة بقدر ما كانت مباشرة واضحة تسهم في توعية الجيل والكل بقدر ما حملت مضامين متنوعة وصراحة متناهية كانت قاطعة للطريق بين من يحب الاستماع وينطلق خلفه وبين من أجاد القراءة الواجبة لكل الأبعاد والزوايا مبكراً، احترامنا لمنبرنا وكل صوت يصعده، ويكفي انه يضيف لنا كل ظهيرة جمعة مخزوناً هائلاً لن ينضب بمثل هذا التوازن والنضج وملء العقول بكل جديد نافع، ويكفي أن مشروع الجامعة الحُلمْ وتطوير التعليم والارتقاء بإنسان هذا المكان للزمن المقبل والوثبة الهائلة في يد أمينة هي يد الملك «عبدالله بن عبدالعزيز». [email protected]