انتهت أمس الزيارة الرسمية التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى دمشق، حيث أمضى يومين أجرى خلالهما محادثات شاملة تتعلق بفلسطين والعراق ولبنان وإيران وعملية السلام. ومع ان هذه القضايا الإقليمية الساخنة كانت تشكل دائماً محور المحادثات الثنائية بين العاهل السعودي والرئيس بشار الأسد، إلا ان طابع الزيارة هذه المرة اعطاها بُعداً سياسياً مختلفاً عن اللقاءات السابقة. أي اللقاءات التي جمعتهما في قمة الكويت الاقتصادية أو في قمة الرياض الرباعية أو في قمة جدة اثناء افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. صحيح ان أهميتها انبثقت من رغبة الدولتين في تدشين مرحلة جديدة عند اول زيارة رسمية يقوم بها الملك عبدالله لدمشق منذ توليه العرش في آب (اغسطس) 2005... ولكن الصحيح ايضاً ان خطورة الأوضاع في المنطقة أكسبت هذه القمة أهمية خاصة نظراً لإلحاح الملفات التي تمت مراجعتها. أي الملفات المتعلقة بالعراق ولبنان وفلسطين وإيران وتركيا. اعتبر وزير خارجية سورية وليد المعلم ان التحسن الذي تشهده علاقات البلدين، يعزز التضامن العربي ويردم الهوة القائمة بين بعض الدول العربية، الأمر الذي يساعد على الاستقرار في الشرق الأوسط. وفي ضوء الاختبارات السابقة وصف المعلم العلاقة بين الرياضودمشق بأنها «حجر الزاوية في استقرار المنطقة». عقب تقليده ارفع وسام، وصف الرئيس الأسد العاهل السعودي بأن اسمه مرادف للعروبة ولكل ما تعنيه هذه الكلمة من تنسيق يخدم العرب. وكان بهذا الكلام يشير الى الموقف الرافض الذي اختارته السعودية يوم استنكرت دعوة الرئيس الأميركي اوباما بضرورة الانفتاح على اسرائيل كثمن لتجميد مشروع الاستيطان. وكان المطلب الأميركي يركز على إقامة علاقات تجارية أو قنصلية مقابل موافقة نتانياهو على تجميد موقت للاستيطان. ولولا رفض السعودية لكان الاقتراح الأميركي لقي التجاوب لدى دول عربية عدة لم تنتبه الى محاذيره الخطرة. لذلك اضطرت الرياض الى التذكير بمبادرة المملكة في قمة بيروت العربية والتي اعتمدتها الجامعة العربية قاعدة لتأسيس أي تسوية سلمية. الملاحظة الأخرى التي استند إليها الرئيس بشار الأسد في وصف منسق العروبة، كانت تشير الى سعي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى إزالة عوامل الخلاف بين «حماس» و «فتح». ومع ان تلك المصالحة لم تعمر طويلاً، إلا ان المملكة لم تيأس من تكرار محاولتها. ومثل هذه الرغبة كانت ظاهرة بجلاء في الكلمة التي ألقاها الملك اثناء افتتاح الدورة الخامسة لأعمال مجلس الشورى، إذ قال: «ان الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني اخطر على قضية العرب العادلة من العدوان الإسرائيلي المتواصل». بسبب تزامن قمة دمشق مع انفجار موجة الغضب ضد قرار السلطة الفلسطينية إرجاء التصويت على تقرير ريتشارد غولدستون، كان لا بد من بحث هذا الموضوع الشائك خشية انعكاس تداعياته السلبية على الساحة الفلسطينية. في المحصلة النهائية، نجح نتانياهو وليبرمان في تأجيل البحث حول تقرير غولدستون عن حملة «الرصاص المصهور» في غزة. والحجة التي عرضها رئيس الوزراء ووزير خارجيته هو ان اسرائيل لا يمكنها المغامرة في المفاوضات السياسية مع محمود عباس، إذا ما حُرمت من حقها في الدفاع عن النفس إزاء صواريخ «حماس». واللافت ان نتانياهو اتهم رئيس السلطة الفلسطينية بأنه يدير مفاوضات سياسية وتنسيقاً امنياً مع إسرائيل، في الوقت الذي يشن حرباً ديبلوماسية ضدها في المحافل الدولية. وعليه ابلغ نتانياهو واشنطن ان محمود عباس لم يعد في نظره أو نظر غالبية الفلسطينيين، المفاوض الأوفر حظاً لدى الفريقين. ومعنى هذا ان اسرائيل نجحت في تهديدها بوقف المسيرة السياسية إذا لم تسحب السلطة الفلسطينية التماسها الى مجلس حقوق الإنسان. وكانت النتيجة ان خسر أبو مازن حظوظه لدى الشعب الفلسطيني ايضاً. حيال هذا التغيير المفاجئ، قدمت «حماس» الى مصر طلباً لإرجاء التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية المقرر نهاية الشهر المقبل. ومن المؤكد ان الوضع المتفجر داخل غزة والضفة الغربية، هو الذي دفع «حماس» لاتخاذ قرار التأجيل بانتظار ما تتفق عليه المنظمات الفلسطينية والدول العربية حول دور محمود عباس ومستقبله السياسي. ويبدو ان الاعتراف الذي أعلنه امين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه، لم يكن أكثر من تبرير غير مبرر في نظر الفلسطينيين. ذلك انه اعترف باسم القيادة انها أخطأت في سحب تقرير غولدستون. ولكنه وصف الخطأ بأنه من النوع الذي يمكن إصلاحه. وهو أمر غير مألوف في عالم السياسة. خصوصاً أن اسرائيل أُعطيت الوقت الكافي لتشكيل لجنة تحقيق أخرى هدفها الطعن برقابة المحكمة العليا وبتقرير غولدستون. في ضوء هذه التطورات كان لا بد من مراجعة الأزمة الفلسطينية في قمة دمشق. وتردد انها كانت مراجعة هادئة حظيت باهتمام الوفدين، وبأهمية التنسيق مع مصر كونها الطرف المؤثر في حركة المعابر وفي الجهات السياسية المعنية بإيجاد الحلول. وكرر الملك عبدالله في هذه المناسبة ملاحظاته الثابتة حول الموضوع الفلسطيني، والتي تختصر بالآتي: «نحن نقدر للشعب الصابر والمناضل صموده البطولي أمام آلة الحرب الإسرائيلية الشرسة. ولكننا ندعو في الوقت ذاته، جميع الفصائل الفلسطينية ان تتجاوز خلافاتها وتوحد كلمتها وجهودها على اعتبار ان وحدة هذا الشعب واستقلالية قراره الوطني هما صمام الأمان». وقال إنه يرى في مبادرة السلام العربية التي حظيت بدعم دولي، الخيار الأمثل لحل القضية الفلسطينية على اساس الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة وقيام دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف. ومع ان العلاقات السورية – اللبنانية لم تكن على جدول الأعمال، إلا ان الجانب السوري أعرب عن اهتمامه بتشكيل حكومة توافق تؤمن بالعلاقات الحسنة مع دمشق. وقال ان المواصفات التي أطلقتها سورية على رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إن كان من حيث وطنيته أو من حيث حرصه على تحقيق الوفاق والاستقرار الداخلي... هذه المواصفات يمكن وضعها كمعايير لأي رئيس حكومة يهمه إنشاء علاقات متينة وثابتة مع سورية. ويرى المحللون ان هذه الطروحات لا تختلف كثيراً عن طروحات السعودية بالنسبة لاستقرار لبنان وتأمين مصالحه الوطنية. وعليه تتوقع ان ينجح سعد الحريري في تشكيل حكومة اتحاد وطني تكون مستعدة لمواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بالعالم العربي. في البيان الصادر عن الرئاسة السورية، جاء ما يأتي: «شدد الجانبان على أهمية تطوير العلاقات العربية – العربية، خصوصاً ان جميع دول العالم تسعى الى إنشاء تكتلات إقليمية تعطي لموقفها وزناً على الساحة الدولية. يضاف الى هذا التنسيق العربي – العربي، ان سورية تقوم مع الصديقتين تركيا وإيران بإيجاد فضاء إقليمي عربي إسلامي يستطيع ان يواجه التحديات الكبيرة التي تعترض الأمتين العربية والإسلامية». ولكن، ما هي الدوافع الحقيقية التي قادت سورية الى الانخراط في تكتلات اقليمية كجزء من حماية مصالحها ومصالح الدول العربية؟ عقب انتخاب انغيلا ميركل للمرة الثانية في ألمانيا، انتهى امل تركيا بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وأعلنت ألمانيا انها تعارض الاتحاد مع سبعين مليون تركي. ومن المؤكد ان هذه المعارضة تشكل جزءاً من حركة واسعة داخل الرأي العام الأوروبي تخشى من طغيان الجمهور الإسلامي المحلي على مقاليد الأمور. ويبدو ان هذه الحركة لا تقتصر على ألمانيا والدنمارك، بل تتعداها لتصل الى فرنسا. ومنذ يومين عارضت الجبهة الوطنية الفرنسية بزعامة جان – ماري لوبن عملية إضاءة برج ايفل بألوان العلم التركي. ومع ان عمدة باريس الاشتراكي وافق على طلب سفير تركيا، إلا ان الرئيس ساركوزي – المعارض دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي – لم يكن راضياً ايضاً. سياسة الانفتاح التي اعتمدها رجب طيب أردوغان، هي السلاح الذي يشهره في وجه أوروبا والدول الغربية التي تعتبر تركيا تهديداً لقيمها الثقافية. وهو في مصالحته مع الماضي في أرمينيا وكردستان، إنما يعبّد طريق التجمع الإقليمي لمقاومة رفض الانضمام الى أوروبا. وربما يشهد يوم الثلثاء المقبل أول لقاء إقليمي على مستوى القيادات عندما تفتح مدينة حلب أبوابها للرئيسين غل وأردوغان، مثلما تفتح مدينة «غازي عيناب» أبوابها لزعماء سورية. ومثل هذه الحركة العابرة للحدود تمثل في الحقيقة بداية تجمعات إقليمية بحيث تتحول سورية الى جسر تركيا الى العالم العربي، وبخاصة دول الخليج... على ان تتحول تركيا الى جسر سورية الى أوروبا ومخرجها من حال الحصار والعزل. وفي مطلق الأحوال، يبقى ان مشروع أوباما السلمي في منطقة الشرق الأوسط، قد تعرَّض للنسف على يد نتانياهو، وأن استعار حرب أفغانستان – باكستان سيكون البديل لسلام خسره أوباما في الشرق الأوسط! * كاتب وصحافي لبناني.