أكد وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي في مقابلة مع صحيفة «الحياة» أن المملكة تحدد سياستها الخاصة بسوق النفط على أساس اقتصادي صرف لا أكثر من ذلك ولا أقل. ورفض النعيمي «نظريات المؤامرة» التي تتحدث عن أن السعودية تستخدم النفط كسلاح اقتصادي ضد إيران أو روسيا أو أية دولة أخرى، ووصف مثل هذه الاعتقادات بأنها سوء فهم ومغرضة وخيال بلا أساس. لكن هل يوجد فعلاً أي دليل يشير إلى أن كبار صناع السياسة في المملكة سعوا عمداً إلى خفض أسعار النفط؟ أم أن السعودية ردت ببساطة على أحداث خارج سيطرتها باختيار الاستراتيجية الأكثر منطقية من مجموعة خيارات غير جذابة؟ لن نعرف الإجابة على الإطلاق بصورة قاطعة. وعلى رغم ذلك توجد أسباب للشك في أن المملكة تستخدم سلاح النفط في إطار «استراتيجية جيوسياسية» كبرى، إما من تلقاء نفسها وإما بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة. وألقى النعيمي في المقابلة الصحافية باللوم عن انخفاض أسعار النفط على الركود الاقتصادي العالمي وارتفاع الإنتاج من خارج «أوبك»، وانتشار المعلومات المغلوطة والمضاربين. ومن المؤكد أن تلك العوامل قد تقدم تفسيراً مقنعاً لانخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريباً. ولا توجد حاجة لاستدعاء نظرية مؤامرة عن خطة سرية لإلحاق الضرر بإيرانوروسيا لتفسير التاريخ الحديث للأسعار. ويرد بعض أنصار نظرية المؤامرة بالإشارة إلى أن السعودية ربما لا تكون تسببت في تراجع السعر لكنها لم تفعل شيئاً لمنعه. لكن لا يوجد شيء كان يمكن للسعودية عمله لإبقاء الأسعار قرب مستوى 100 دولار للبرميل في الأجل المتوسط. وإذا كان انخفاض أسعار النفط يتيح فائدة ديبلوماسية للسعودية والولاياتالمتحدة بتشديد الضغط الاقتصادي على دول معادية مثل إيرانوروسيا وفنزويلا فتلك فائدة جانبية وليست الهدف الرئيس للسياسة. وكان الرد المنطقي الوحيد من السعودية على ارتفاع إمدادات المعروض من الغاز الصخري وركود الطلب على النفط الخام هو السماح بانخفاض الأسعار لكبح الاستثمار في الغاز الصخري واستعادة بعض النمو المفقود في الطلب. والقول بوجود مؤامرة في الأحداث الأخيرة مسألة غير ضرورية وغير مؤكدة على الإطلاق. ولم يشر مؤيدو نظرية «النفط كسلاح ديبلوماسي» إلى دليل واحد مباشر. وفي هذه الظروف لا يوجد سبب للشك في تفسيرات وزير البترول السعودي. ويبدو أن تصريحات النعيمي ومقابلاته الصحافية المسهبة على مدى الأيام القليلة الماضية تهدف إلى سد الفراغ، وتسجل بوضوح كيف تتوقع المملكة تطور الأوضاع في أسواق النفط وسبب هذا التطور. ولا يوجد سبب للشك فيه. العوامل السياسية السيطرة على إمدادات الطاقة تمنح قوة هائلة للدول التي تمتلك تلك الأداة. ولعب الوصول إلى إمدادات الطاقة دوراً سياسياً في الاستراتيجيات العسكرية والديبلوماسية لألمانيا واليابان أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا شك في أن العوامل الديبلوماسية لعبت دوراً أحياناً في السياسة النفطية السعودية. واستخدم الملك فيصل النفط صراحة «كأداة سياسية» في الحظر الذي فرض عام 1973. وفي وقت أقرب تدخلت السعودية للتعويض عن نقص في إمدادات المعروض أثناء الحربين الأولى والثانية بين العراقوالولاياتالمتحدة. ويبدو أن نوعاً من التفاهم حدث بين الرياض وواشنطن لزيادة الإنتاج السعودي لملء فجوة نتجت من انخفاض الصادرات الإيرانية بسبب العقوبات. لكن التدخل السياسي في السياسة النفطية كان الاستثناء أكثر من كونه القاعدة على مدى الأعوام ال40 الماضية. وبصورة عامة تبيع السعودية أقصى ما يمكنها من النفط بأعلى سعر متاح بالنظر إلى مبيعات المنتجين المنافسين وحال الأسواق. ومن خلال نظرة للماضي يبدو واضحاً أن انهيار الأسعار في عام 1986 كان كارثة على المملكة ودفعها إلى حافة الإفلاس. وأحياناً لا يكون للتحولات الكبيرة في أسعار النفط عواقب اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية. ويجادل الاقتصادي الروسي يجور جيدار بأن الانهيار في أسعار النفط في منتصف الثمانينات كان مسؤولاً عن تفكك الاتحاد السوفياتي. لقد حدث لأن الأسعار المرتفعة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات تسببت في زيادة هائلة في إمدادات المعروض من خارج «أوبك» وفي جهد كبير للحفاظ على الوقود في الاقتصادات المتقدمة. وحدث الشيء نفسه تقريباً نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار النفط الحقيقية بين عامي 2002 و2012. وتسببت الاستجابة المتأخرة من جانب العرض والطلب الآن في تكرار الدورة. ونظريات المؤامرة ليست ضرورية ولا مفيدة في محاولة فهم الأحداث الأخيرة في سوق النفط، فهي ليست ضرورية لأنها لا تضيف شيئاً إلى التفسيرات لأسباب انخفاض الأسعار، وليست مفيدة لأنها تعني أن السعودية كان يمكنها أن تتبع بصورة منطقية سياسة مختلفة. وتوجد أوقات يصنع فيها التاريخ من خلال اتفاقات سرية وراء الكواليس بين الكبار والأقوياء. لكن في معظم الحالات تتكشف الأمور من تلقاء نفسها نتيجة أخطاء أو حسابات مغلوطة أو حوادث أو أحداث غير مرئية تفاجئ كبار صناع السياسة بقدر ما تفاجئ بقية الناس. النفطوزير البترول السعودي