واشنطن - «نشرة واشنطن» – تواجه صناعة الصلب في الولاياتالمتحدة سلسلة أزمات منذ منتصف سبعينات القرن العشرين. وخاضت مصانع الصلب الأميركية معركة لكسب حصة من السوق العالمية وتحقيق الأرباح والبقاء. وباتت هذه الصناعة وعمالها ينتجون اليوم ثلاثة أضعاف ما كانوا ينتجونه خلال سبعينات القرن الماضي، بعد ان استثمرت مصانع الصلب الأميركية تقنيات متقدمة عززت بدرجة ملموسة كفاءة الطاقة وخفّضت معدلات التلوث والتهديدات الصحّية لعمالها. وساعد الارتفاع الحاد في سعر الفحم الحجري وأنواع الطاقة الأخرى منذ العام 2000، مصانع الصلب الأميركية التي تمتلك المواد الخام الخاصة بها على تجاوز منافسيها. وتراجع عدد العمال فيها من 531 ألفاً عام 1970 إلى 150 ألفاً في العام الماضي. وتعرضت مدن هذه الصناعة في قلب المنطقة الصناعية الأميركية إلى ضربة قوية خلال تلك العقود. وأعاد خبير الاقتصاد الأميركي جوزيف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل في مقابلة أجريت معه عام 2006، سرد تأثير تراجع هذه الصناعة في مدينته غاري (ولاية إنديانا)، والتي أسستها شركة «يو اس ستيل» قبل قرن وقال: «تعكس هذه المدينة تاريخ أميركا الصناعي. فهي نهضت مع صناعة الصلب الأميركية، وبلغت الذروة في منتصف خمسينات القرن العشرين، خلال نشأتي، ثم تدهورت بسرعة كبيرة، وهي ليست اليوم سوى هيكل أجوف لما كانت عليه سابقاً». وفي أوروبا وآسيا، تدخلت الحكومات مباشرة لمدة تزيد على ربع قرن للمساعدة في تمويل التوسّع الهائل لقدرة صناعة الصلب فيهما. ودعمت إقامة حواجز رسمية وغير رسمية أمام واردات الحديد والصلب، وغضّت النظر عن الاتفاقات السرّية لتشاطر الأسواق. اما الولاياتالمتحدة فقيّدت الاستيراد بصورة متقطعة، لكنها لم تضع أبداً سياسة طويلة الأمد لتعزيز القدرة التنافسية لصناعة الصلب الأميركية. وتسمح قواعد التجارة الدولية للدول بأن تدافع عن صناعاتها المحلية ضد إغراق أسواقها بسلع مستوردة بأسعار أقل من الاعتيادية. وعندما كانت حالات الركود الاقتصادي والأزمات المالية تترك الأسواق العالمية غارقة بكميات فائضة من الصلب، كانت الصناعة الأميركية تسعى إلى فرض غرامات على الإغراق لمحاربة الاستيراد بأسعار منخفضة. واستجابة لمطالبها، مال الرؤساء الأميركيون إلى فرض قيود موقتة على الصلب المستورد أو ترتيب فرض قيود طوعية، لتخفيف الضرر اللاحق بمصالح شركات الصلب الأميركية. ونادراً ما كانت صناعة الصلب الأميركية تحصل على الحماية الدائمة التي كانت تسعى إليها، ومالت السياسة الأميركية إلى مقاومة فرض عقوبات تجارية شديدة، نتيجة مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية. واستفادت صناعة السيارات وصناعات أخرى من استيراد الصلب من الخارج بأسعار أقل، ما ساعد في لجم التضخم. وكانت الإدارة الأميركية حساسة تجاه الصرخات الصادرة من حكومات أجنبية احتجاجاً على العقوبات التجارية الأميركية المفروضة. ونتيجة لذلك، أصبحت سوق الصلب الأميركية مشرّعة أمام الامتلاك الأجنبي والواردات بدرجة أكبر من أي من منافسيها الرئيسين. وتعدّت نسبة الصلب المستورد والمستهلك في الولاياتالمتحدة 30 في المئة من الاستهلاك الاجمالي في العام 2007، وهي نسبة أعلى بكثير مما نجده في أسواق الدول الرئيسية المنافسة للفولاذ الأميركي، كاليابان وروسيا والصين والبرازيل. وتبقى شركة «يو أس ستيل كوربوريشن» الأميركية، الشركة التي أسسها جي بي مورغان عام 1901، أكبر شركة منتجة للفولاذ في البلاد، وصنفت العاشرة عالمياً استناداً إلى إنتاجها عام 2007، أما شركة «نيوكور» الأميركية الصاعدة المنتجة للفولاذ والتي تحدّت شركات الصلب الكبرى من خلال صنع الصلب الجديد من الخردة التي تصهرها في أفران عالية الكفاءة، فباتت تحتل المرتبة الثالثة في البلد وال12 عالمياً من حيث الإنتاج. كانت الشركات الأميركية الرئيسية في صناعة الصلب مجموعة من شركات مملوكة تاريخياً على نحو عام، على رأسها شركة «بيت لحم ستيل»، الشركة المنتجة الرئيسية التي أعلنت إفلاسها في أواخر التسعينات من القرن العشرين. وبيعت هذه الشركات بأسعار منخفضة جداً من جانب مستثمر أميركي، هو دبليو إل روس، الاختصاصي في شراء أصول الشركات المعروضة للبيع بأسعار متدنية. وعاد روس فباع مصانعه الأميركية إلى البليونير الهندي لاكشمي ميتال وشركته «ميتال ستيل» في عام 2004، وأصبحت في ما بعد جزءاً من اكبر شركة إنتاج للفولاذ في العالم، عندما اندمجت شركة «ميتال» مع «أرسيلور»، الشركة الرئيسية المنتجة للفولاذ في أوروبا عام 2006. وتسيطر حالياً شركات «يو اس ستيل» و«أرسيلور ميتال» و «نيوكور» على أكثر من نصف كمية الإنتاج الأميركي من الصلب، وتملك مصالح الصلب الروسية، المستفيدة الأخرى من سوق الصلب الأميركية المفتوحة نسبياً، نسبة 10 في المئة منها. وبعد أزمات المال التي حصلت في أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما أغرق الصلب المستورد بأسعار متدنية السوق الأميركية، أعلن إفلاس اكثر من 40 شركة لإنتاج الصلب وتوزيعه وتصنيعه. وكانت الصناعة تدين بأكثر من 11 بليون دولار التزامات تقاعد لموظفيها لا مصادر تمويل لها، ولم تتمكن من تسديدها، فكان الإفلاس طريق الخلاص. لاحقاً، ساعدت القيود التجارية التي فرضها الرئيس السابق جورج دبليو بوش، فضلاً عن تحرر بعض شركات الحديد والصلب الأميركية من التزاماتها لناحية العناية الصحّية لمتقاعديها، على إعادة نهوض هذه الصناعة خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي حصلت في أوائل القرن الحالي. لكن الركود الاقتصادي الذي بدأ العام الماضي، أعاد إنعاش مخاوف حصول فوائض في إنتاج الصلب الأميركي، بخاصة مع نمو مصانع الصلب المدعومة في البرازيل والهند والصين. وتعادل قدرة إنتاج هذه الدول الثلاث ثُلث الإنتاج العالمي الإجمالي للصلب.