قال اختصاصيون نفسيون كويتيون زاروا معسكر الاعتقال الأميركي في غوانتانامو الشهر الماضي - بدعوة من وزارة الدفاع الأميركية - والتقوا اربعة كويتيين ما زالوا محتجزين هناك انهم يأملون في ان تساعد الزيارة في التعجيل في الافراج عنهم، وأشاروا الى ان الجانب الأميركي بات مقتنعاً أكثر بقدرة الكويت على اعادة تأهيل العائدين من هذا المعتقل ومنع عودتهم الى العنف والتطرف، وان هذه القناعة الأميركية قد تترجم عملياً خلال نهاية الأسبوع الحالي بالافراج عن المزيد من المحتجزين الكويتيين. وقال الدكتور عدنان الشطي الذي شارك في الزيارة الى «الحياة» ان «التعامل الأمني البحت مع قضية معتقلي غوانتانامو اثبت فشله كما دلت تجارب دول مثل الكويت والسعودية ومصر»، وان الدول المعنية والولاياتالمتحدة ايضاً باتت مقتنعة بأن مسألة التأهيل النفسي لا غنى عنها، فالمشكلة انسانية بالدرجة الأولى والتطرف ظاهرة فكرية واجتماعية لا تحسمها القبضة الأمنية». وكانت الولاياتالمتحدة اعتقلت 12 كويتياً في افغانستان وباكستان في تشرين الأول (أكتوبر) 2001 وارسلتهم الى غوانتانامو وجرى خلال السنوات الأربع الماضية الافراج عن ثمانية منهم، لكن تورط أحد المفرج عنهم ويدعى عبدالله العتيبي في تفجير انتحاري في العراق العام الماضي أثار تصلباً أميركياً تجاه السجناء الأربعة الباقين. وقال الشطي ان وفداً اميركياً تفقد قسماً في السجن المركزي في الكويت جهز لإعادة تأهيل العائدين من غوانتانامو العام الماضي بعد حادثة العتيبي أعرب عن عدم قناعته بصلاحية وكفاءة هذا المكان، وهذا دفع الكويت الى اعادة النظر في المسألة خصوصاً ان «لجنة أهالي المعتقلين في غوانتانامو» تحركت لإنشاء مركز تأهيل يرضي متطلبات الحكومة الاميركية ويكون قادراً على معالجة المشاكل النفسية والاجتماعية للعائدين من المعتقل. لذا شكلت لجنة في آذار (مارس) الماضي ضمت مسؤولين أمنيين ومن جهات صحية وتربوية ومن وزارة الأوقاف ومن لجنة أهالي المعتقلين لدرس هذا الموضوع، وأعدت اللجنة بمشاركة اختصاصيين نفسيين بينهم الدكتور الشطي «دليل تأهيل المعتقلين»، وقد أعطيت نسخة بالانكليزية منه الى السفارة الأميركية في الكويت، كما قام وفد ضم ممثلين عن وزارتي الدفاع والعدل الأميركيتين بزيارة اللجنة في شهر أيار (مايو) الماضي. وقال الشطي «طلبنا من الجانب الأميركي ترتيب زيارة لنا للمعتقلين الأربعة، وخلال أغسطس (آب) الماضي تلقى ثلاثة من أعضاء اللجنة دعوة من وزارة الدفاع الأميركية لزيارة المعتقلين، وهؤلاء الثلاثة هم الدكتور عدنان الشطي والدكتور عبدالله غلوم (علم نفس) والدكتور خالد العتيبي (أستاذ في الشريعة الاسلامية)، والذي فهمناه من هذه الدعوة لنا نحن الثلاثة ان الأميركيين غير مهتمين بالجانب الأمني للموضوع بقدر الجانب النفسي والانساني». وتابع «بالفعل توجهنا الى واشنطن حيث التقينا هناك مسؤولين في وزارات الخارجية والدفاع والعدل بحضور ممثلي السفارة الكويتية هناك، ثم سافرنا نحن الثلاثة يرافقنا ضباط أميركيون على متن طائرة مدنية من قاعدة اندروز الجوية الى غوانتانامو، وبعد ان رتبت لنا جولة في المعتقل بدأنا اللقاءات من الكويتيين الأربعة وهم خالد المطيري (27 سنة) وفايز الكندري (32 سنة) وفوزي العودة (28 سنة) وفؤاد الربيعة (50 سنة)، وكانت اللقاءات تتم مع كل معتقل على حدة في قاعة مخصصة لذلك وبحضور 3 حراس أميركيين، لكن الضباط الأميركين كانوا يتابعون من غرفة مجاورة ولا يتدخلون في الحوار». ويستدرك الشطي قائلاً: «قبل ان نغادر الكويت حرصنا على اللقاء بعائلات المعتقلين الأربعة وأخذ ما يمكن من معلومات تساعدنا في مهمتنا، وتبين لنا ان هذه الصلة بالعائلات كانت ذات فائدة في فهم شخصية كل من المعتقلين وتعزيز فرصة اكتساب ثقتهم والحوار معهم»، وأضاف: «كذلك التقينا عدداً من سجناء غوانتانامو السابقين الذين استفدنا من تجربتهم وهم شكوا من ان عودتهم الى الحياة الطبيعية لم تكن سهلة لعدم توافر تأهيل صحيح وانهم عانوا من خوف مستمر من الجهات الأمنية ومن كوابيس وعزلة عن المجتمع وعدم القدرة على الحصول على وظائف». وتابع «كان خالد المطيري أول من التقيناه في غوانتانامو، وكان رافضاً للقاء معنا في البداية ومتردداً في دخول قاعة اللقاء وتقدمت منه وقلت: يا أبا فارس.. اتيناك مرسلين من عائلتك ولنبلغك سلام الوالدة والوالد، ويبدو ان مناداته بالكنية وذكر عائلته لين موقفه فوافق على الجلوس وبدء الحوار، وقلنا له إن الجانب الأمني لا يهمنا ولن نناقش معه ما حدث في افغانستان بل يهمنا وضعه النفسي وان مهمتنا انسانية واجتماعية..». وأضاف ان «المطيري قال إن لقاءات سابقة له مع وفود من الكويت لم تشعره بالارتياح وهو روى حكاية اعتقاله وظروف احتجازه في غوانتانامو، وقد تراجع تصلبه تدريجياً وصار يتحدث بصورة طبيعية واخبرناه اننا سنعمل من اجل اعادة تأهيله انسانياً ونفسياً وهو تكلم ايجابياً معنا في هذا الاطار، وقال لنا الأميركيون الذين راقبوا الحوار عبر مترجم في غرفة مجاورة ان استجابة المطيري معنا كانت افضل من استجابته لوفود كويتية سابقة»، وأضاف: «حصل تطور قانوني ايجابي في شأن المطيري خلال الشهور الماضية اذ قررت محكمة أميركية ان اعتقاله في افغانستان لم يكن صحيحاً من الناحية القانونية، ومن المأمول ان يساعد هذا في الافراج عنه قريباً جداً». فوزي العودة هو الشخص الثاني الذي التقاه الوفد وقال الشطي: «كان فوزي طالباً عندي في الجامعة قبل توجهه الى افغانستان واعتقاله هناك لذا كان لقائي معه ايجابياً وهو قال لنا إن اوضاع الاحتجاز في غوانتانامو تحسنت كثيراً في السنة الأخيرة غير ان الأميركيين يعتبرون فوزي عدوانياً كما ان محكمة أميركية اعتبرت اعتقاله قانونياً»، وتابع: «أخبرت فوزي بالجهود الجبارة التي بذلها والده السيد خالد العودة لخدمة قضيتهم وانه يرأس لجنة أهالي المعتقلين». والتقى الاختصاصيون النفسيون في اليوم الثاني لزيارتهم غوانتانامو المعتقل فايز الكندري الذي قال الشطي عنه انه «مثقف وشديد الاعتداد بالنفس لكن لا يبدو مؤيداً للعنف وهو قال لنا إنه لن يقبل الخروج من غوانتانامو قبل ان يخرج باقي الكويتيين، وهو «أبدى تصلباً شديداً في بداية اللقاء لكنني عندما حدثته عن لقائي بعائلته وحديثي مع والدته تغير كثيراً وصار متقبلاً للحوار، وقال انه لن يرفض أي برنامج إعادة تأهيل وانه يفضل سجناً سيئاً في الكويت - اذا لزم الأمر - على سجن جيد في أميركا». أما المعتقل فؤاد الربيعة فيعتبره الاميركيون اخطر الأربعة وقال الشطي «لاحظ السجانون ان للربيعة سلطة أدبية على باقي الكويتيين وكلمة مسموعة عندهم فاعتبروه قيادياً لكنه في الحقيقة ليس كذلك»، وأضاف: «كان فؤاد وهو مهندس في الخطوط الجوية الكويتية تلقى دورة في صيانة الطائرات في ديتونا بيتش بالولاياتالمتحدة في الوقت نفسه الذي كان محمد عطا وباقي عناصر هجمات 11 أيلول (سبتمبر) يتدربون على قيادة الطائرات هناك استعداداً للهجمات، ولما ضبط فؤاد في افغانستان بعد ذلك ربط المحققون الأميركيون بين ذلك وبين تدربه في أميركا واعتبروا ان له علاقة في هجمات نيويوركوواشنطن، لكنني اعتقد ان فؤاد الربيعة تواجد في المكان الخطأ والزمان الخطأ لا أكثر ولا أقل»، وأضاف: «مثل الباقين كان فؤاد متقبلاً لفكرة اعادة التأهيل والعودة للمجتمع». ويرى الدكتور الشطي ان تورط عبدالله العجمي في تفجير انتحاري في العراق العام الماضي «دليل على ان أسلوب إعادة التأهيل لمن افرج عنهم من غوانتانامو من الكويتيين لم يكن ناجحاً وان منهجاً جديداً ومركزاً جديداً للتأهيل يجب ان يوجد ليس فقط لتأهيل المفرج عنهم بل للتعامل مع التطرف الفكري والميل للعنف كمشكلة اجتماعية دائمة»، وهو لاحظ ان «الجانب الاميركي صار مقتنعاً اكثر بجدارة المنهج الجديد الذي وضعناه وهو ما سيساعد على التسريع في الافراج عن المعتقلين».