نظّمت «اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة»، بدعم من «برنامج الأممالمتحدة الإنمائي» ورشة حول «دور الإعلام في المدافعة والمناصرة من أجل تعديل قانون الجنسية الحالي». والتعديل المطلوب يطاول منح الزوجة – الأم جنسيتها لزوجها الأجنبي وأبنائها وبناتها الأجانب، حكماً. وهذه قضية حساسة تثير الحفيظة والتوتر في بلد، كلبنان، تلعب أعداد «النسمات» فيه دوراً في التوازنات الطائفية والسياسية، والأم محور فيها. ولعلّ منع القانون الحالي المرأة من منح جنسيتها لزوجها وأبنائها يشكل ضابطاً لحرية اختيار المرأة شريك حياتها، وتالياً أبناءها، يضاف على جملة الموانع التقليدية، منها: الملّة والمستوى الاجتماعي والمادي... هذا مع العلم أن اختيارها قد لا يكون موفّقاً، ككل أمور الحياة... و «الدنيا هيك»، على قول الأديب والفنان الراحل محمد شامل. يبدو أنها «مش هيك»، على قوله أيضاً. إذا كانت أعداد النسمات (أي المواطنين) والأرقام والنسب ذات أهمية كبرى في لبنان للحفاظ على التوازنات، جاءت الدراسة التي أعدّتها الباحثة فهمية شرف الدين، لترد عليها بالمثل. «الأرقام أمر حساس ومهم في لبنان»، كما قالت. واستخدمت الأرقام والنسب والتي استطاعت نبشها من سجلات النفوس والقيود في المحاكم الشرعية، بحثاً أعداد زيجات اللبنانيات، من كل الطوائف، بأجانب. ثم استخلصت نسبها على إجمالي عدد الزيجات في لبنان وفي كل طائفة. وبعد محاولات فاشلة ومعلّقة لتعديل قانون الجنسية في لبنان في مصلحة الزوجة - الأم، ومواصلة المنظمات المعنية البحث عن حل لهذه القضية، تطل دراسة شرف الدين «أوضاع النساء اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين»، على المسؤولين في محاولة ل «طمأنتهم» إلى أن زيجات اللبنانيات من أجانب لا تشكّل نسبة (أو نسباً) تدعو إلى ذلك القلق الذي يعتري مختلف الأطراف. ولعلّها أيضاً تريد القول ببساطة مدعّمة بالأرقام، إن الزواج من سنن الحياة، والأهم أن منح المرأة جنسيتها لزوجها وأبنائها حق من حقوقها، يدعمه الدستور أيضاً. وغياب هذا الحق انتقاص «فاضح» من مواطنيتها ومبدأ المساواة، خصوصاً أن الدراسة تناولت العواقب من غياب هذا الحق، وقد وضعت شرف الدين فصل الآثار السلبية تحت عنوان «كلام ودموع». وتطاول مجالات عمل الزوج وتعليم الأبناء والإقامة والطبابة... والإرث، إضافة إلى المشكلات النفسية، كالشعور «بعدم الانتماء الذي يصاحب حياة الأسرة والقلق اليومي... وتنقل الدراسة عن إحداهن قولها: «أشعر أن زوجي يعاني صراعاً في داخله وأزمة تحديد هوية فليس لديه أي انتماء... وأنا قلقة على مستقبل أولادي ومصيرهم...» أرقام صعبة كان الوصول إلى الأرقام معقّداً، في ظل تعقيدات النظام الطائفي والسياسي، والدخول إلى دوائر الأحوال الشخصية والمحاكم في غاية الصعوبة، كما تشير الدراسة. وشمل المسح 14 سنة بين 1995 و2008، واختيرت هذه المدة الزمنية لأنها تلي صدور مرسوم التجنيس الذي حلّ مشكلات مشابهة. وتبيّن أن من أصل 300415 زيجة في لبنان، هناك نحو 18 ألف زيجة «مسجّلة» للبنانيات من أجانب (أي نسبة 5,9 في المئة). 8,2 في المئة منها لمسلمات من غير لبنانيين، و2 في المئة منها لمسيحيات من غير لبنانيين. ولكن قبل أن ترتفع الحواجب احتجاجاً وحفيظة من هنا وهناك، تلحظ الدراسة أن 87,5 في المئة من عقود الزيجات بين لبنانيات وغير لبنانيين مسجّلة لدى المسلمين، بينما 12,5 مسجلة لدى المسيحيين. وهذا يقرّب الأرقام والنسب بعضها من بعض. وأما بقية تفاصيل النسب بين الطوائف فهي برسم المسؤولين. في الورشة الحيوية في النقاش والتعبير عن الآراء المختلفة، المختلفة تماماً، سادت في ورشة «دور الإعلام في المدافعة والمناصرة من أجل تعديل قانون الجنسية الحالي». ولعلّ المأخذ الوحيد عليها هو غلبة الإناث على الحضور. والملامة لا تقع على الجهة التي نظّمت الورشة فحسب، بل أيضاً على ندرة اهتمام الذكور في أمور المرأة عموماً وجنسيتها خصوصاً، علماً أن هذه القضية سياسية بامتياز تعني كل المجتمع اللبناني. وإذا حُصرت في الإناث وتحرّكاتهن «ماتت». كل عبّر عن رأيه (أو بالأحرى عن رأيها). وزواج اللبنانيات من لاجئين فلسطينيين شكّل أحد المخاوف من طرح قضية الجنسية. واللجنة الأهلية تستعين اليوم بالإعلام اللبناني لمؤازرة حملتها، لكن الخوف من أن يعطّل هذه المسيرة التي تبدو طويلة، الاصطفاف الطائفي والسياسي الضارب في المجتمع، كما في الإعلام. جملة تساؤلات تطرح نفسها بسبب التشدد والحذر المستغربين في إيجاد حل لهذه القضية، خصوصاً إذا وضعت معايير التجنيس وضوابطه وشروطه الصارمة، وطبّقت! - ما هي المخاوف الحقيقية التي تكمن وراء عدم إيجاد الحل، إلى حد التعنّت أحياناً؟ - هل الخوف من أن تنظّم جهات غريبة وأجنبية «حملات زواج» من لبنانيات، إذا سمح لهن بمنح جنسيتهن؟ - هل الخوف من أن يشكّل الزواج في لبنان «مشروعاً سياسياً» للعموم يحقق غلبة فريق على آخر؟ الزواج قسمة ونصيب، ولو حصل بعد علاقة حب أو بالقوة أو بالتطبيق أو من خلال «الخطّابة»... أو بالجملة. ومنح الجنسية حق للإنسان. وهو في لبنان حق للمرأة. وهي إذا منحت جنسيتها فلن تمنحها لغرباء عنها، إلاّ إذا بقي القانون يعتبر أن الزوج غريب عن زوجته والإبن والإبنة غريبان عن رحمهما!