أصدرت الأممالمتحدة بياناً قبل أيام يتناول أفضل وأسوأ الأماكن التي يعيش فيها الإنسان، وجاءت النرويج على رأس أفضل الدول المناسبة للحياة الآدمية، تلتها آيسلندا ثم استراليا ثالثاً، فيما احتلت النيجر المركز الأخير، وجاءت قبلها أفغانستان ثم سيراليون وما بين أفضل الدول الصالحة للسكنى وأسوأها امتد فارق عظيم لا يمكن «رقعه» خلال ال100 سنة المقبلة إلا بحدوث معجزة كونية تسلب ألباب ساكني الأرض. الناس في النرويج يموتون عند متوسط عمر 80 سنة، بينما يخطف الموت الناس في النيجر عند متوسط عمر 50 سنة! 30 سنة كاملة هي الفارق في الحياة بين النرويجي والنيجري! 30 سنة! وهذه ال30 سنة بمقاييسنا الآدمية تساوي عمر إنسان بلغ من العمر أوسطه، له حياته المستقلة وأفكاره المستقلة وإنجازاته المستقلة. والنرويجي يكسب 85 ضعف ما يكسبه النيجري سنوياً، فإذا كان دخل النيجري سنوياً 1000 دولار «وهذا حلم غير متحقق»، فمعنى ذلك أن النرويجي يكسب 85 ألف دولار، هذا إضافة إلى طريقة العيش نفسها، فالنرويجي يعيش في أجواء دولة ديموقراطية ذات مستوى تعليمي فائق التطور، وتكاد تخلو من مشكلات الفسادين الإداري والمالي، فيما الوضع في النيجر يشبه العيش في غابة «كل من إيدو إلو». النرويج والنيجر، الدولتان اللتان يشكل حرف «الواو» بينهما حائط فصل كبير جداً، ليستا دولتين عربيتين، وفي هذا نصف فرحة! ولكن هنا هي مربط الفرس، من يقرأ ردود الأخوة العرب على الأخبار التي أوردت بيان الأممالمتحدة في مواقع «النت» العربية، سيحمد الله كثيراً أنه عربي الهوى والهوية، الجزائريون يقولون إن الجزائر أفضل دول العالم، والمغاربة يحتجون على ذلك، ويقولون إن المغرب هي الدولة التي تقف على رأس دول العالم من حيث توافر المقومات التي تجعل الإنسان يعيش بإنسانية غير منقوصة، المصريون في الوسط العربي يقاتلون من أجل تسمية مصر الدولة الأولى على مقياس الأممالمتحدة، والسوريون لا يجدون دولة من دول العالم تضاهي دولتهم من حيث التمتع بالحريات، السعوديون كالعادة يرون أن بلدهم أفضل بلدان العالم على مقياس الأممالمتحدة، أو على أي مقياس آخر، لأنها تضم المدينتين المقدستين مكة والمدينة... شعوب الدول العربية بنظرة دائرية سريعة على مواقع «الانترنت»، سعيدة وحرة ومكتفية اقتصادياً ومتقدمة اجتماعياً. هكذا يقول حال الناس الافتراضي على الشبكة العنكبوتية! ويقولون لماذا لا تتقدم الدول العربية؟! العرب لا يعرفون حتى الآن أنهم متخلفون عن بقية دول العالم، فكيف تريدونهم أن يتقدموا على طريق النماء البشري؟! عليهم أولاً أن يعرفوا أن العالم يسبقهم بسنوات طويلة «ربما تساوي ال30 عاماً»، ثم يبدأون بعد ذلك في ردم الفجوة. فلسطيني يجمع بين زوجتين يهودية وعربية! أول ما لفت انتباهي في هذا الخبر الجمع اللغوي ما بين اليهودية والعربية، الخبر لم يقل يهودية ومسلمة ولم يقل إسرائيلية وفلسطينية، اختار محرر الخبر أن يجعل اليهودية تقف موقف الند من العروبة، مع أن هناك عرباً يحملون الهوية اليهودية! لا يهم... لا يهم... عربية ويهودية أو مسلمة ويهودية... ما يهمني هنا هو قدرة هذا الفلسطيني على رسم الخط الأول في خريطة الدولتين اللتين تعيشان في سلام جنباً إلى جنب، هذا الفلسطيني عمل ما عجز عنه الفلسطينيون والإسرائيليون على السواء من خلال جولات مباحثاتهم القديمة والطويلة التي تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب جارتها الإسرائيلية، استطاع اعتماداً على «شهوة الحياة» إقامة علاقة أبدية ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، استطاع ببساطة شديدة أن ينشئ كياناً سلمياً ديموقراطياً بأدوات بسيطة وبدائية جداً. لو كنت مسؤولاً في السلطة الفلسطينية أو في الحكومة الإسرائيلية لجئت بهذا الرجل وجعلته راعياً لجولة المباحثات المقبلة لعله يخرج بصيغة مناسبة لإقامة الدولتين الفلسطينية واليهودية «كتبت أنا كلمة اليهودية هذه المرة!»... سأعود لكتابة الجملة من جديد: «لعله يخرج بصيغة مناسبة لإقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على الأرض التي تحتل شرق المتوسط». وبمناسبة اليهودية وهذا الفلسطيني وشرق المتوسط، استغرب كثيراً من أولئك الذين يشتمون إسرائيل ليل نهار لأنها تصر على «تهويد» دولتها، يعترض العرب على دخول كلمة اليهودية في اسم الدولة الإسرائيلية، أتفق معهم في هذا الجانب وأشد على أيديهم، لكن عليهم أولاً أن يحلوا مشكلاتهم الذاتية المتعلقة بهذا الأمر. هل للعربية علاقة باليهودية كما أشار عنوان هذه الفقرة؟ ربما. شيخ الأزهر بين الليبراليين والإسلامويين قوبل قرار شيخ الأزهر بمنع دخول المنقبات إلى المعاهد الأزهرية بعاصفة احتجاجية قوية في داخل مصر المحروسة وخارجها، المحتجون انقسموا لفريقين: فريق يعتقد أن هذا القرار يحارب الإسلام وشرائعه، وفريق آخر يرى في هذا القرار تضاداً مع المبادئ الليبرالية التي تقدس الحرية الشخصية، «الإسلامويون» يقولون إن القرار ضد الدين، و«الليبراليون» يقولون إن القرار ضد الفرد، وما بين الدين والفرد ضاع سيد طنطاوي! وضياع سيد طنطاوي يجعلني أعود بالزمن إلى الوراء قليلاً لأعقد مقارنة صغيرة ما بين أمرين: ساركوزي دعا قبل أشهر إلى إلغاء النقاب من الحياة الفرنسية، وقوبل بعاصفة لا تقل شدة عن العاصفة التي قوبل بها قرار طنطاوي، ساركوزي دعا «ولم يقرر» إلى نفي النقاب من الحياة الفرنسية العلمانية، فيما طنطاوي على الجانب الآخر قرر نفي النقاب من الحياة الأزهرية الدينية! أصدر فرماناً «دينياً وليس دينياً» وانتهى الأمر. كم المسافة ما بين الدول العربية وفرنسا؟! أكثر من 30 سنة بالتأكيد... ربما 100 وربما 200، وربما تتفضلون أنتم بالإجابة. * كاتب وصحافي سعودي – أبو ظبي. [email protected]