الفائدة الوحيدة التي تجنى من المسلسلات «الأجنبية» المكسيكية والشرق آسيوية الناطقة بالعربية والتي غزت التلفزيون منذ سنوات، أنها مناسبة لسماع اللغة الفصحى التي تنحسر إعلامياً يوماً بعد يوم. لكن هذه الأيام ومع المسلسلات التركية، الوافد الجديد، فالأمر لا يقتصر على تحملها بل على تحمل نطقها بالعربية العامية أيضاً. ومع الاعتراف بأن كل هذه الأنواع من الأعمال صعبة التحمل حتى بالعربيتين بالنسبة الى البعض، فلا يجب التغاضي عن أن ثمة هواة لهذا النوع. عندما تفرض اللغة الفصحى على هذه المسلسلات، يتم ضرب عصفورين بحجر واحد. فإما أن ينصرف المشاهدون عنها، بسبب لغتها الفصيحة التي تبدو على تنافر مع نوعية الشخصيات وأدائها، وإما يدفعهم إعجابهم الشديد بها لمتابعتها على رغم الصعاب، ما يساهم، ولو على نحو لا يذكر وحتى بهذه الطريقة، في إدخال الفصحى في الحياة اليومية وجعلها أليفة على السمع. لكن اللغة الفصحى لا تعيش وحدها مأزق الوجود، فالعامية ليست بأفضل حال منها. فما نراه يومياً على الشاشة يظهر أنها في وضع لا تحسد عليه، وأنها تفتقد لمرادفات كثيرة وتفسح المجال أكثر فأكثر لكلمات دخيلة من الانكليزية. وحتى البعض كالسوريين مثلاً، والذين كانوا في أحاديثهم التلفزيونية اقل الناس استخداماً لكلمات «دخيلة» على اللغة العربية أصيبوا بالعدوى من الجيران معتبرين ربما أن تلفظهم بها هو «مودرن» قد يرفعهم درجات. وهكذا بتنا نسمع عبارات من نوع «بحب ألبس ألوان برايت فريش» على لسان ممثلة سورية «عالمية» عربياً، وهذا بعد أن شرحت لنا زميلة لها كويتية في البرنامج ذاته عن خططها في شراء «الشوز»، وخلال دقائق مدة التحقيق المصور لم نسمع منها ولو مرة واحدة كلمة «حذاء». وتلك الممثلة، على رغم إصرارها على جمال الزي الخليجي التقليدي، لم تلتفت على ما يبدو إلى جمال ما هو أهم. أما مع المذيعة اللبنانية وضيفها مصمم الأزياء اللبناني العالمي فتبدو الأمور أشد تعقيداً. هنا تتساقط عبارات أقل بساطة من نوع «حسب التيم تبع الكولكشن» (بحسب موضوع المجموعة أو نوعها)، «الباغ حسب الستايل» (الحقيبة بحسب طراز اللباس) و «الشوز مش نيسيسري يكون من نفس الماتيريال» (ليس ضرورياً أن يكون الحذاء من العناصر ذاتها). أليس مفاجئاً هنا وكسباً للغة العربية، استعمال المذيعة لكلمة ضروري بدلاً من «نيسيسري»؟ كيف يمكن تفسير الأمر: هل هو تظاهر الجاهل لإعطاء الانطباع «بثقافته» واطلاعه على اللغات الأخرى؟ أم أنها ظاهرة عامة للإيحاء بالانتماء إلى مجتمع عالمي عصري؟ أسئلة من اختصاص علماء الاجتماع. ولكن الإعلام المرئي يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً في نشر التعابير اللغوية الصحيحة والإصرار على مذيعيه وضيوفه باحترام اللغة العربية.