إن أسهل نتيجة ستريح العقل العربي في تفسير هزيمة المرشح العربي فاروق حسني في انتخابات مدير عام (اليونسكو) هي إسرائيل. وكأن العرب لو امتلكوا قدرة إسرائيل نفسها في اللعبة السياسية سيوفرونها من باب الموضوعية أو أسباب أخرى كان الله بها عليماً. النتيجة التي تلقى بها العرب هزيمة المرشح العربي وزير الثقافة فاروق حسني ومن قبله وزير العمل السعودي غازي القصيبي، تذكرنا بردود فعل الطفل المدلل الذي عندما لا يحصل على شيء يقلب الدنيا ويصيح ويبكي، بدلاً من تحمل المسؤولية والتفتيش عن سر الأسرار ومعطل الأدوار، أو على الأقل يكتفي بقول لا أدري، وهي نصف المعرفة. نظرية المؤمراة هي نظرية ضبابية لها جانب احتمالي لا يستطيع أحد أن ينفيه أو يثبته، لكن النظرية التحليلية فيها من الأدلة ما تجعل النظرية المؤامراتية عقدة ذهنية تتركز دائماً في ذهنية المهزوم. فالمرشح العربي فاورق حسني، يقول إن إسرائيل هي من تآمر ضده، لكنه في المقابل يقول إن الأفارقة الذين أيدوه في القمم العربية والأفريقية، لم يمنحوه سوى ثلاثة إلى أربعة أصوات فقط. بينما الصحافة العالمية تبرر أن الأفارقة الفرانكفونية لم يمنحوه أصواتهم لعدم وضوح الموقف الفرنسي من الانتخابات، وأن سفير دولة عربية يطعن فيه من تحت الطاولة، وإذا زدنا أن أوروبا هي مكان لا ينشط فيه اللوبي اليهودي، وليست دولاً صديقة للثقافة والوجود الاميركي، لكن أوروبا تعرف أن من الحكمة أن تنسحب مرشحتها النمساوية التي لن تفوز بكل الأحوال لتمنح الأصوات لمرشحة أوروبية أخرى، وهذا ما يمكن أن يفعله العرب أيضاً. ليس صحيحاً أن العرب لم يستخدموا السياسة في تجييشهم لفوز مرشحهم، هم فعلوا كل ما فعله الاوروبيون ليفوزوا - كما أن المرشحة البلغارية، هي ديبلوماسية محترفة درست في موسكو وعملت في وفد بلدها في الأممالمتحدة، وسيرتها الجيدة رشحتها للفوز، حين اقتضى الأمر سباقاً بين مرشحين لا ثالث لهما، أيضاً اليهود وبحسب وصف فاروق حسني لم يكونوا كلهم ضد المرشح العربي فجماعة النبي دانييل ومثقف يهودي مثل كارلسفيلد، كتب مؤيداً لفاروق حسني، ولم يخف من التهديدات التي طاولته. أبسط استنتاج نعرفه أن المرشح لليونسكو ليس هو الشخص بل الدولة، لهذا فإن الذي هزمنا هي الأنظمة العربية، وصورتنا أمام الغرب، الذي لا يعتبر أن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وقضايا التعبير، وحرية الأديان والرأي، هي قضايا للمزايدات والمنظرة، بل قانون حياة ودولة. الذي هزمنا ليس إسرائيل، بل قدرة الصحافة على فضح أخبارنا كما في خبر هروب عالم مثل حامد نصر أبو زيد ولجوئه للغرب هرباً من حكم تفريق بينه وبين زوجته وبقائه في الخارج. ان هزيمتنا التي لا يصلح دائماً أن نسميها نكسة، ولا نصراً إلهياً، ولا غزوة، هي هزيمة فعلية على المستويين الثقافي والسياسي، في سياق صور عالمية ومنافسات مع عالم تقدمنا، وأشر لنا بالمنديل لنتبعه، فرقصنا رقصتنا الشهيرة (اشر لي بالمنديل وقال أنا ماشي)! [email protected]