كثيراً ما نسترجع ذكريات العيد قديماً، ونقارنه بالعيد حاضراً، ونرثي ما آل إليه حالنا، ولكن لو سألت طفلك الآن: «هل تحب العيد؟» لقال: «نعم»؛ فالطفل يعيش طفولته ويشعر بها بلا تعقيد ولا ضغينة ولا حسد، هي براءة يتمتع بها إلى أن يغتالها البلوغ. وللبيئة أثر كبير على استمتاعنا بالعيد، فتعقيدات هذا العصر لعبت دوراً أساسياً في القضاء على العيد في مهده، فلا يتجاوز الصلاة ثم اللقاء مع من لم تقابلهم منذ زمن! إن المرحلة العمرية والبيئة وما يعتريهما من قيود هما المحك الأساس لاستمتاعنا بالعيد من عدمه؛ فالطفل لا يعرف الرسميات ولا يعرف الحسد ولا الضغينة بل يريد الفرح واللعب مع من هم في مثل سنه، ويفرح بالحلوى، وبالمال، وبالشراء، لذا نجد الأطفال دائماً يفرحون بالعيد. قديماً كانت حياتنا بسيطة لا تتخللها الرسميات التي هي معول الهدم لفرحة العيد؛ فكانت الاجتماعات الأسرية في القرية أو المدينة لا تكاد تقتصر على العيد بل كانت دائمة مستمرة على مدار العام، فإذا اجتمعوا في العيد سقطت الكلفة في ما بينهم، فلا ينقلب الحديث إلى سؤال وجواب بل إلى شكر لله على نعمه وفرح وقصص طريفة، فلا ترى المجاملات المصطنعة، ولا ترى الابتسامات الصفراء. لقد ارتكبنا جريمة بحق أنفسنا؛ إذ ألزمنا أنفسنا بعادات لم تكن موجودة قديماً، فاغتلنا بذلك فرحتنا وقطعنا أرحامنا، فانطفأت شمعة عيدنا قبل أن نشعلها فرحاً وشكراً لله على نعمه. لا أدعو بذلك لأن نجعل عيدنا طرباً وفرحاً وغفلة، بل أدعو إلى التوسط في ذلك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة...»، ونظر بعض العلماء إلى الناس يوم الفطر وانشغالهم بما هم فيه من الطعام والشراب واللباس فقال: «لئن كان هؤلاء أنبأهم الله عز وجل أنه قد تقبل منهم صيامهم وقيامهم، فقد كان ينبغي لهم أن يكونوا أصبحوا مشاغيل بأداء الشكر، ولئن كانوا يخافون أنه لم يقبل منهم، كان ينبغي لهم أن يكونوا أشغل وأشغل!!». إن «الوسطية» هي عنوان هذا الدين، فلا إفراط ولا تفريط في عيدنا، قال تعالى: (... وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) «البقرة: 185»، اذكروا الله واشكروه، وانبذوا الرسميات، فكفانا أن البلوغ اغتال طفولتنا فلا تجعلوا «البرستيج» يقتل فرحتنا. عضو هيئة تدريس في جامعة الملك سعود بالرياض