وضع القسم السياسي التابع لمركز ابحاث مجلس الشورى الإسلامي على طاولة السياسيين الإيرانيين تقريراً ينبه إلى بحث يقع في 160 صفحة أعده مركز «سابان» التابع لمعهد (بروكينغز) اخيراً وحمل عنوان «أي الطرق تؤدي إلى إيران؟»، وتولى إعداد البحث ستة من الباحثين الإستراتيجيين هم: كنت بولاك، ودانييل بايمن، ومارتن انديك، وسوزان مالوني، ومايكل اهانلون وبروس ريدل. ويقترح تسعة سيناريوات للمواجهة مع طهران، ويفرد مساحة واسعة لما أسماه ب «هندسة سياسة موحدة تجاه ايران». ويرى معدو البحث أن ايران شكلت على الدوام معضلة للولايات المتحدة الأميركية، وكانت الكراهية الإيرانية لأميركا باعثاً على التعجب من قبل المراقبين الخارجين، لكن واشنطن لا تستطيع غض النظر عن الأهمية التي تتمتع بها ايران كدولة وكنظام سياسي. ويشير البحث الى أنه على الرغم من غياب سياسة أميركية واضحة ضد إيران في بداية عهد بوش، لكنها في ما بعد لجأت إلى المقاطعة والعقوبات والتهديد والضغط لثني طهران عن برنامجها النووي. وأكد الباحثون أن فترة بوش انتهت مع تعاظم للنفوذ الإيراني في المنطقة ومع تراجع للحضور الأميركي. ووصف سياسة اوباما تجاه ايران بأنها لم تغادر اطار «العصا والجزرة» وسعت لتوظيف الضغط الدولي بصورة اكبر من السابق، لكنها في الوقت نفسه سعت لمد اليد والتقارب مع الجمهورية الإسلامية، لكن شكوكاً عديدة تحيط بنجاح هذه السياسة. ووصف البحث السلوك الإيراني تجاه الولاياتالمتحدة بأنه «معقد وغريب وغير قابل للتنبؤ»، واعتبر أن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد يأتي امتداداً لفكر الخميني لجهة تقسيم العالم إلى قطبين للخير والشر، وفيما تمثل اميركا وفق هذا الفكر قطب الشر تتزعم ايران القطب المخالف، ولا يحمل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي صورة افضل، فهو ينظر دائماً بعين الشك إلى الولاياتالمتحدة. وتسيطر فكرة المواجهة مع اميركا على فكر المحافظين في ايران بصورة غير قابلة للتغيير. ويشير الباحثون الستة الى العلاقات الخفية بين طهرانوواشنطن عام 1986 وما عرف ب «إيران كونترا» وكذلك في الأعوام 1995-1999 وهي العلاقات التي تم اجهاضها بعد الكشف عنها. ويحمّل البحث الإدارة الأميركية جزءاً من مسؤولية فشل إقامة علاقات مع ايران، ويعيد ذلك إلى «السياسات الأميركية غير المناسبة والفاقدة للثقة»، وحكم «اليأس من إيران» وسلوك السياسيين الأميركيين، وعزز من حالة اليأس هذه فشل السياسات الأميركية في مواجهة إيران سواء تلك الساعية إلى اقامة علاقات أو تلك التي تريد لجم الجمهورية الإسلامية. واعتبر أن الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان قدم خدمة كبيرة لإيران وقاد بالنتيجة إلى اضعاف الولاياتالمتحدة وتعزيز النفوذ الإيراني، وتكررت النتيجة ذاتها في المواجهة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل وكذلك في الحرب على غزة. وقال إن هذه التحولات التي شهدتها المنطقة أصابت سياست الولاياتالمتحدة ب «الإضطراب» كما أن تركيزها على الملف النووي الإيراني افقدها النظرة الكلية في المواجهة مع إيران. ووضع معدو البحث هدفاً يتمثل ب «صياغة استراتيجية شاملة» تعين واشنطن على انتهاج «سياسة مثمرة» في المواجهة مع النظام الإيراني الذي اعتبره البحث من أكثر الأنظمة السياسية «تعقيداً وغموضاً» في العالم. وشرحوا فيه تسع استراتيجيات ضمن محاور اربعة، يقوم المحور الأول على الديبلوماسية ضمن خيارين، ويقوم الثاني على العمل العسكري ويتضمن خيارات ثلاثة، ويركز المحور الثالث على ثلاثة خيارات لتغيير نظام الحكم، ويتحدث المحور الرابع عن «لجم إيران» وإفشال سياساتها وإضعافها داخلياً وخارجياً. ونبه فريق البحث إلى أن كلاً من هذه الإستراتيجيات له محاذيره وعيوبه ولذلك فإن الأفضل هو صياغة استراتيجية مركبة تتضمن في الوقت ذاته جوانب عدة. الخيار الديبلوماسي: تحت بند هذا الخيار قال البحث الأميركي أن مهمة اوباما على هذا الصعيد صعبة للغاية، بخاصة أنه يدرك أن ثماني سنوات من الحرب في افغانستان وستة في العراق تجعل من الصعب على واشنطن فتح جبهة عسكرية جديدة. ويطرح الباحثون الستة ضمن هذه الإستراتيجية ثلاثة أسئلة حول جدوى المقاطعة والعقوبات والتهديد الديبلوماسي في تغيير سياسة ايران، وأي انواع من العقوبات هو الأجدى، ومدى قدرة واشنطن على اقناع دول كبرى في الانضمام إليها في مواجهتها مع ايران؟ وعما اذا كانت سياسة الترغيب والترهيب ستأتي بالنتائج المطلوبة، وما هي طبيعة الجزرة التي ستقدمها واشنطن، وكيف ستقدمها دون ان تترك للمحافظين في ايران حرية تفسيرها على أنها علامة ضعف؟ وكيف تستطيع اميركا أن تحدد جدية الطرف الإيراني في السعي لحل ديبلوماسي؟ وقال البحث أن الإجابة على هذه الأسئلة يقود إلى آلية مضادة تقوم على إعادة صياغة مقولة «العصا والجزرة» التي انتهجها بوش، وهو ما يعني حذف السوط من المعادلة بخاصة أن سياسة التهديد على مدى السنوات الماضية لم تأت بنتيجة سوى تقوية إيران. وتحت عنوان «الاقتراح الذي لا يمكن لطهران أن ترفضه» قال البحث أن سياسة اوباما وإن كانت تختلف عن سياسة بوش الابن إلا أنها بالنسبة لإيران ما زالت اسيرة قرارات بوش، اذ أن سياسة الترغيب والترهيب سارت متزامنة مع السعي لتغيير نظام الحكم في إيران، وهو ما رأى البحث أنه نقطة الضعف في هذه السياسة. ودعا إلى اقناع العالم بالالتزام بعقوبات صارمة ضد إيران، فالعديد من الدول تخالف النظرة إلى الجمهورية الإسلامية كدولة تشكل تهديداً، كما أن طهران أصبح لديها خبرة كافية لحشد العداء للعقوبات. ودعا إلى أن تكون سياسة الترغيب قائمة بالتدريج على برنامج زمني محدد يقدم لإيران امتيازات عملية تلبي طهران في سعيها لموقع اقليمي ودولي، ويتضمن ادخالها في الاقتصاد العالمي وعضوية منظمة التجارة العالمية وينهي بالتدريج حالة المقاطعة، وذلك مربوط باستجابة إيران للمطالب الدولية في ما يتعلق ببرنامجها النووي وكذلك اجراء تغيير ملحوظ في سياساتها الداخلية والخارجية. ويشدد هذا المحور على ضرورة انتهاج آلية زمنية محددة وفرض عقوبات مشددة ومقاطعة شاملة في حال رفضت طهران الاستجابة للمطلوب منها. ويؤكد البحث أن هذه الإستراتيجية لن تنجح بدون اجراء محادثات مباشرة بين واشنطنوطهران، كما أن المكافأة التي ستقدم يجب ان تصاغ وفقاً للحاجة الإيرانية، ويجب على واشنطن ان تعلن مسبقاً خطواتها العقابية. وحدد معدو الدراسة عدداً من الشروط التي ستدفع اميركا الى ان تقبل بإيران وفي مقدمها وقف برنامجها النووي ووقف الدعم لحماس وحزب الله ووقف السعي الإيراني لتغيير خريطة المنطقة. ويبدأ العمل الديبلوماسي على شكل تكتيك يتحول في حال نجاحه الى استراتيجية. وحذر البحث من سياسة العقوبات بخاصة في مجال الطاقة، وقالت أن ذلك من شأنه أن يرفع من القيمة العالمية للنفط، ودعا إلى تقديم امتيازات لكل من روسيا والصين لإقناعهما بالانضمام إلى هذه الإستراتيجية. ونوه إلى وجود شواهد تدعم قبول ايران بالمحادثات ومن ذلك محادثات «الترويكا» مع اوروبا. العمل العسكري، نزع سلاح إيران: ويعزز من هذا الخيار غياب الضمانات لنجاح العمل الديبلوماسي وارتباطة بشكل أساسي باستجابة طهران وتعاونها. ويدخل الزمن كعامل أساسي في الخيار العسكري إذ أن وصول ايران الى صنع السلاح النووي من شأنه أن يجعل من توجيه ضربة عسكرية لها أمراً في غاية الصعوبة ويرى كثير من الأميركيين أن عملا عسكرياً ضد إيران ستكون ضريبته باهظة ولذلك يفضلون أن يقوم الإسرائيليون بذلك. ويواجه هذه الإستراتيجية مشكلات عدة من أبرزها أن الفشل الأميركي في العراق وأفغانستان يجعل من ضربة عسكرية لإيران تحقق الأهداف الأميركية أمراً شديد الصعوبة، لكن ذلك لا يعني اسقاط هذا الخيار خصوصاً أن اوباما نفسه لم يسقطه من خياراته. وسيكون من اهداف الحملة العسكرية اسقاط النظام في ايران بالقوة وشل قوته العسكرية وتفتيت قبضته الداخلية وهو ما سيقود إلى افشال المشروع النووي وإنهائه، ويجب أن يكون لدى واشنطن القدرة على اقامة حكومة ثابتة وموالية لها بشكل سريع ومنظم، وسيكون على واشنطن أن تدرك أن عملاً عسكرياً واسعاً ضد ايران يجب ان يعقبه اعادة بناء لن تكون سهلة وتحتاج إلى موازنة كبيرة كما أنها ستكون عملية دموية وطويلة. ولا يجب تجاهل امكانية ان ترفض الدول المجاورة استخدام اراضيها لمهاجمة ايران. وتحتاج هذه الاستراتيجية إلى ذريعة وتوريط لإيران بعمل مرفوض على غرار الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، لتكون الولاياتالمتحدة قادرة على القيام بعمل عسكري مدعوم داخلياً وخارجياً. ولا يمكن مقارنة احتلال العراق بإيران ذات المساحة الجغرافية الواسعة ما يتطلب اعداداً اكبر بكثير من الجنود الأميركيين. وإن كان العمل العسكري الواسع كفيل بحل المشكلات الأميركية مع ايران بالكامل إلا أن محاذيره تقود إلى الخيار الثاني الذي يرجح ضربة عسكرية محدودة للمواقع النووية الإيرانية تشبه تلك التي قامت بها اسرائيل ضد العراق، على أن يعقبها ضربات لشل المواقع العسكرية. وإن كان بدء العمل في يد واشنطن إلا أنه لا يمكن التنبوء بالشكل الذي سيكون عليه رد الفعل الإيراني. وسيقلل توجيه ضربة عسكرية لإيران من الثقة في اميركا وسينعكس ذلك على قضايا كوريا الشمالية ودارفور، وسيعزز من صورة أميركا كدولة عدوانية مهاجمة. وحدد البحث مجموعة احتمالات للرد الإيراني: أن لا تقوم ايران بالرد، وأن تعلن مظلوميتها وتعرضها للعدوان. أن ترد بإغلاق مضيق هرمز. أن تقوم بضرب اهداف اسرائيلية وأميركية باستخدام الصواريخ الباليستية. استهداف اهداف اميركية عالمية من طريق عمليات يقوم بها افراد ومجموعات مدربة. القاء المهمة على عاتق نتيناهو: رغم المشكلات العديدة إلا أن ايران لم تقم بأي عمل عسكري ضد اميركا، لكن اسرائيل واظبت على الدوام على وصف ايران بالتهديد الحقيقي، ولم يغب خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية عن خطط الجيش الإسرائيلي. وسيكون ذلك متاحاً للإسرائيليين اذا ما حصلوا على الدعم والتشجيع الأميركيين. وهذه العملية تقتضي عبور الطيران العسكري الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والأردنية والعراقية ليتمكن من ضرب الأهداف الإيرانية، وهي تحتاج إلى طلعات عدة للقيام بذلك في حين يقتضي نجاح العملية ان تنفذ الضربة في طلعة واحدة وهو أمر غير متاح لإسرائيل، كما أن بعد الأهداف الإيرانية يجعل من الصعب على طائرات اف 15 واف 16 أن تصل الى أهدافها. وأكد معدو البحث أن بقاء اميركا بعيداً من هذا السيناريو أمر مستحيل وستجر اليه بشكل او آخر. وسيكون من مهمات واشنطن أن تعطي الضوء الأخضر لتل ابيب وأن تشارك في التخطيط للضربة. انهيار الحكم.. تغيير النظام: يعتقد الكثير من الساسة الأميركيين بعدم جدوى الخيارين الديبلوماسي والعسكري، ويرجحون خيار الإطاحة بالنظام، ويرون أن المعارضة ليست الطريق الوحيد لتغيير الوضع في ايران، ويركزون على أن اشعال الخلافات القومية والقيام بانقلاب من شأنه أن يساهم في الإطاحة بالنظام. ويشدد هذا السيناريو على «الانقلاب المخملي» كخيار يجب دعمه لتغيير النظام في طهران وهو خيار لا يكلف واشنطن ضريبة كبيرة. ويهدف هذا السيناريو إلى ايجاد حكومة ترتبط بمصالح مع واشنطن وتنهي حالة العداء، وهو ما يقتضي التعاون ومد جسور التواصل مع المعارضة داخل ايران، واستخدام هذه المعارضة كورقة ضغط من شأنه أن يحدث تغييراً في السياسات الايرانية. و «الثورة المخملية» تحتاج كما يشير البحث إلى قادة محليين وهنا على واشنطن دعمهم، وهو ما يقتضي البحث عنهم قبل اطلاق شرارة هذا التحرك ويحتاج الأمر إلى معلومات استخبارية دقيقة، ويمكن استثمار تحرك شخصيات معارضة تهدف لإحداث التغيير على طريقة ال «بيريسترويكا» الروسية، ويمكن للتظاهرات وصدامات الشوارع أن تزلزل قاعدة النظام كما حدث في رومانيا والفيليبين. ويوصي هذا السيناريو بتقديم الدعم المالي والسياسي لقادة هذا التحرك من الإيرانيين، وكذلك تقديم الدعم الخفي للطلبة والمجموعات داخل المجتمع الإيراني وذلك بتقديم مبالغ مالية ووسائل اتصال حديثة لهم. وينبه البحث إلى أن اصلاحيي ايران ارسلوا اشارات تؤكد سعيهم لإقامة حكومة علمانية في ايران، واستطاع مفكرون وفي مقدمهم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أن يضعوا علامات استفهام على مشروعية الحكم الديني وصلاحيته. ويشير السيناريو إلى ان نجاح «الثورة المخملية» مرهون بإضعاف الحرس الثوري وقوات البسيج لمنعها من التصدي للمطالبين بالتغيير ما يقتضي تدخلاً عسكرياً ضد هذه القوات. لكن السيناريو يحذر من أن الدعم الأميركي للإصلاحيين من شأنه أن يشوه صورتهم لدى الناس، ويؤتي ثماراً عكسية. ويعيد السيناريو الاهتمام إلى منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية كمنظمة قادرة على العمل العسكري ضد النظام في ايران. ويستعيد البحث عملية الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953 كنموذج لتقويض الحكومات، ويرى أن واشنطن يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً في التخطيط لإطاحة النظام من جديد. ويؤكد أن عملية الإطاحة حتى وإن فشلت من شأنها أن تجبر طهران على تقديم تنازلات. لجم طهران قبول ما لايمكن قبوله: ويقوم هذا السيناريو استراتيجياً على جعل ايران عاجزة عن الحاق الأذى بالمصالح الأميركية، ويهدف عسكرياً إلى شل القدرة الهجومية للجيش الإيراني، وجعل ايران بلا حليف من الناحية الديبلوماسية، وإضعاف الاقتصاد الإيراني، وهو ما قد يؤثر في ثني ايران عن الاستمرار في برنامجها النووي. وإضعاف ايران وجعل حكومتها عاجزة عن الإنجاز من شأنه أن يؤدي بها الى مستقبل شبيه بما حدث للاتحاد السوفياتي. ويحدد السيناريو العقوبات والمقاطعة كمفتاح لنجاح هذا التحرك، ويشمل منع بيع الأسلحة والمعدات العسكرية، ومنع بيعها التكنولوجيا، ومنع الاستثمار والعمل البنكي معها، وتقييد انتقال المال اليها، وتقييد سفر الخبراء والعمال الإيرانيين إلى الخارج، وتقييد شراء وبيع الغاز الإيراني. وتكمن نقطة ضعف هذا السيناريو في قبول دول اوروبية وكذلك روسيا والصين ودول شرق آسيا والهند بهذه البنود وأعمالها . وفي ختام البحث يوصي معدّوه الستة حكومة اوباما بسياسة مركبة تخلط ما بين السيناريوات السابقة، والتركيز على أهمية ايجاد زعيم داخلي معارض يتمتع بكاريزما تمكنه من احداث التغيير، وأن لا تسقط من اهدافها تغيير ايران من دولة تبث السم للولايات المتحدة إلى حليف في الشرق الأوسط.