السكوت عن الخطأ، هل أصبح ظاهرة في مجتمعنا؟ دافع السؤال هو موقف عجيب لتربويين، من مدرسين وإداريين في مدرسة ابتدائية في الشرقية صمتوا على تصرفات المدير - بحسب جريدة «الرياض» - إذ عوّد الطلاب على تقبيل يديه أو يده بعد كل طابور صباحي ومنذ سنوات، لم يذكر عددها لنحصي عدد القبل، لكن الصحيفة أشارت أنه ثبت لإدارة التعليم «أن تقبيل يد المدير أصبح عادة تتوارثها الأجيال من طلاب المدرسة»، من هنا قد يكون سبب صمت فريق المدرسة التعليمي والإداري ناتج من كونهم جيلاً من تلك الأجيال التي طأطأت رؤوسها وقبّلت اليد الكريمة. وتصرف المدير أمر غريب لم نعهده، وهو استدعى للذاكرة ما أفادتني به شاهدة عيان قبل سنوات، إذ شاهدت مسؤولة في منشأة للصم والبكم تتلقى اعتذار الطالبات الموبخات من طريق تقبيل يدها. إن الأطفال الصغار، في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وكذا المصابين بإعاقات مختلفة هم أمانة، لأنهم أكثر الفئات تعرضاً لاستغلال النفوذ والصلاحيات الإدارية ومعها تطفح الأمراض النفسية، إنهم اكثر حاجة للحماية من طغيان البعض. حصل المدير على لفت نظر وصف بشديد اللهجة، وهذا العلاج من إدارة التعليم أوضح تقديرها للآثار النفسية التي أصابت الطلاب وحالة إذلال تعرضوا لها، وهو تقدير ضعيف بامتياز، ولأن الأمر يتم منذ سنوات سيكون الطلاب قد أدمنوا على تقبيل اليد ومع بداية الدراسة سيصفّون طوابير أمام مكتب المدير للقيام بالواجب المعتاد كل طابور صباحي! وإذا لم يفتح الباب سيقبّلون الجدران! عقاب إدارة التعليم... ضعيف الأثر، وصمت عدد لا بأس به من المدرسين والإداريين على تصرفات غير مقبولة يثبت أن كل وسط صغير مثل مدرسة ابتدائية ليس سوى جزيرة معزولة عن محيطها وإدارات معنية بالإشراف عليها. الصمت الوظيفي الذي ينصاع له كثير من الناس حفاظاً على مصالحهم وتجنباً لاستعداء مسؤول صغر أم كَبُر ممن بيده ملفاتهم، ترقية ونقلاً وتأديباً، ينذر بممارسات سلبية كثيرة مسكوت عنها، تقبيل اليد قسراً نموذج... ويمكن لك أن تضع ما تشاء من تلك الممارسات. والمشكلة معقدة لأن جهات حكومية كثيرة درجت مثلما «درج المدير» على تقبيل يد سمعتها وتحسين صورتها في وسائل الإعلام والمجتمع، حتى وإن كان في ذلك إخفاء لحقائق تهم الرأي العام او تتعارض مع مصالحه لتورّث أوراماً تتضخم مع الزمن. هذا كله يدعو للتفكير في حماية الموظف من بطش رئيسه أو جهاز ينتمي إليه إذا ما أقدم على عدم السكوت عن قول الحق، وقبله يدعو لحماية الضعفاء، أما توقير الكبير واحترامه فلا يأتي بتلك الصورة. كان الأولى بإدارة التعليم في الشرقية أن تسمح باستمرار تقبيل يد المدير من الطلاب والمدرسين الصامتين أيضاً لمدة أسبوعين، بخاصة مع تفشّي أنفلونزا الخنازير! www.asuwayed.com