تحكي الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي كيف كانت والدتها تقنعها أن ترفل بالسعادة في حياتها، فإذا نظرت بجدية في عيني أمها وسألتها عما تعنيه بالسعادة كي تبذل جهدها لتحصيلها، كانت الأم تسر لابنتها بأنها حين يحس الإنسان نفسه مرتاحاً وخفيفاً ومبدعاً وراضياً ومحباً ومحبوباً، فالمرأة الشقية محاصرة بسدود تعوق تطلعاتها وتدمر مواهبها، أما السعيدة فهي التي تصمم على ممارسة حقوقها، بما في ذلك حق التجول والابتكار، ومواجهة الآخرين من دون خوف من ردود فعلهم، وقد تكون مدينة بجزء من ذلك لرجل يحبها ويفخر بها...ثم تضيف مستمتعة بشرحها أن السعادة هي الحق في الاختلاء بالنفس، وفي الهروب من الآخرين، والانصراف إلى التأمل، أو قضاء اليوم وحيداً مستسلماً للراحة من دون استشعار لذنب أو بحث عن أعذار...هي في أن نعيش مع الآخرين ونحس بوجودنا وبقيمتنا وبأننا لسنا معهم لمجرد إسعادهم...في التوازن المعقول بين ما نعطي وما نأخذ، فإذا باغتت الابنة أمها الغنية بحكمة السنين بسؤال عن نسبة سعادتها! جاء الرد ملخصاً لتجربة حياة: «السعادة متغيرة، فهناك أيام لا تتجاوز نسبتها فيها خمسة في المئة، وهناك أيام تتحقق فيها سعادتي الكاملة مئة في المئة، كتلك التي نمضيها على السطح مع أبيك...». كلمة أخيرة: ما الذي يسعدك؟ أكاد أجزم أن معظم من سألتهم إياه لا يملكون له رصيداً واحتياطياً بديلاً، فإما أن تسمع قائمة سياحية عن أجمل الأماكن والأزياء والأطعمة، وإما أن ترى وجوماً لوجوه لا تعرف ماذا تريد ومن أين تبدأ، وقد سئل أحدهم أن يصنف نفسه إن كان سعيداً أم تعيساً! فجاء رده الهادئ أن حياته لم تنتهي بعد كي يجيب على سؤال استباقي كهذا، وهو كلام واقعي، فأمام عمرك الذي تخسره، لديك حق ومساحة في انتزاع لحظات من السعادة، وهو قرارك حتى آخر قطراتك، يقول أندريه جيد: «لا تهيئ أفراحك!» أي لا ترتب لها، فالإنسان قد يدع سعادة في متناوله تفلت منه إذا تعلق باليوم الذي تأتي فيه كما رسم لها. هذا الحلم الذي«يجوز» أن يتحقق ولا تشعر معه بما كنت تأمل لأن الظروف تغيرت وغيرتك معها، ولا تحدثني عن أسوار وعراقيل، فالحواجز والاحباطات هي حياتنا وإما أن تحيا معها أو لا تحيا، إما أن تكون أو تظل سعادتك مؤجلة إلى أجل غير مسمى ولن يُسمى، «كتلك التي نمضيها على السطح مع أبيك»، هكذا قصت الأم على ابنتها مفهومها للسعادة، فهي أبسط شيء في الدنيا وأعقده في آن، لأنه إحساس لا يحتاج إلى سطح قصر أو قمر، ولكنه يحتاج إلى سطح قصر أو قمر في أحيان أخرى، فالمسألة نسبية بين البشر، ولكنها تظل مهارة في ضبط الوقت الذي «يجب» أن نتخفف فيه من الخوف والقلق حتى نتلذذ باللحظة التي نرتشفها، ولنلبس ثوب الهم لاحقاً، فقوي ومطَمْئن أن نتحرر، ولكن من الصعب أن نصبح أحراراً. وقالوا: «الأحرى أن أعيش كما لو أن اليوم هو أول يوم أو آخر يوم في حياتي» باولو كويلو. [email protected]