يذهب الإيرانيون الى لقاء جنيف اليوم مضطرين، بعدما عجزوا عن التملص من هذا الاستحقاق الذي حاصرهم به باراك أوباما بهجوم ناعم لم ينفع في وقفه تكرار احمدي نجاد تهديداته وعنترياته المعتادة، ولا «مفاجأة» الإعلان عن منشأة تخصيب نووي جديدة، ولا مناورات الصواريخ التي «تطال كل المنطقة»، لكنهم في الوقت نفسه يظهرون ثقة في قدرتهم على مقاومة الضغوط والاستفادة من التباين في المواقف واللعب على عامل الوقت، فيما برنامجهم يتقدم بلا تباطؤ، وربما قطع مراحل لا يعرف بها أحد سواهم. كانت طهران تتوقع ان يرد الاميركيون وحلفاؤهم بانفعال على سلسلة استفزازاتها الهادفة الى الفكاك من الحوار الذي تعرف انه قد يؤدي في حال فشله المرجح الى عقوبات جديدة وربما يمهد لما هو أقسى، فيعفونها بذلك من مخاطر الجلوس وجهاً لوجه والاضطرار الى الدخول في التفاصيل والمبررات والاثباتات. فهي أوصلت مصير ملفها النووي الى ذروته بربطه بمصير النظام نفسه، وشددت مراراً على انها لن تقدم اي تنازلات في «حقوقها السيادية»، وعندما رأت انها مضطرة للرد على المبادرة الديبلوماسية كي لا تحشر نفسها في زاوية، اختارت ان تفاوض مجموعة الدول الست وليس اليد الاميركية الممدودة وحدها لأنها تريد الاستفادة من تباين موقف روسيا والصين في مسألة العقوبات. ولأن واشنطن اكتشفت وجود المصنع النووي في قم وأبلغت الروس بوجوده قبل ان تعلن طهران ذلك رسمياً، فإن هناك من همس في اذن طهران بأن الاميركيين ربما يعلمون ايضاً بوجود منشآت اخرى سرية موزعة في مناطق متباعدة، ويدركون صعوبة تدميرها بضربة عسكرية مهما كانت قوتها، لذا لا خوف من إضاعة بعض الوقت في التفاوض طالما لا يؤثر ذلك على مستقبل البرنامج النووي. وقد أكد وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس هذه القناعة عندما قال ان الديبلوماسية والعقوبات هما السبيل لإقناع ايران وان القوة العسكرية هي لكسب الوقت فقط لكنها لن تجعل الايرانيين يتخلون عن برنامجهم. وثمة من يعتقد بأن ايران سارعت الى تحديد موعد المفاوضات بعدما انتظرت نتائج الجهود الاميركية لاستئناف عملية السلام في الشرق الاوسط، وعندما فشلت واشنطن في مسعاها للحصول على تنازل اسرائيلي ولو بسيط يتعلق بتجميد موقت للاستيطان، رأت ان بإمكانها هي ايضاً عدم الخضوع لمطالب واشنطن والاقتداء بإسرائيل التي لم ترفض مباشرة الطلب الاميركي بل افرغته شيئاً فشيئاً من مضمونه خلال جولات التفاوض المتعددة التي قام بها المبعوث جورج ميتشل. ومثلما تتقن اسرائيل لعب دور الضحية المهدد أمنها بالمد العربي والمسلم لتبرير تعنتها ورفضها معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين ولبناء المزيد من المساكن في المستوطنات ذات الحدود المطاطة، تقدم ايران نفسها دولة مسالمة تخوض مواجهة مع عالم «الاستكبار» الغربي الذي يريد اخضاعها وحرمانها من القدرة على التطور، مؤكدة انها تتسلح وتبني المنظومات الصاروخية للرد على التهديدات التي تستهدفها، فيما هي تبسط اذرعتها الى كل ما حولها. والقاسم المشترك الأكيد بين الدولتين يتلخص في ان كليهما يوسع مستوطناته ونفوذه على حساب العرب.