لو سألت أي سعودي أين يريد أن يستقر؟ فإنني أعرف الإجابة مسبقاً، وأنه بالتأكيد سيختار السعودية. لذا سأطلب من الجميع الصمت. يا أخي أعطونا فرصة لنتأمل ولنتفكر ولنقنع ونهنأ ونتهنّى بسعوديتنا. فيا سادة وسيدات الرفض والتنظير: اسكتوا! ويا سادة وسيدات النقد والتجريح والتقريع: اسكتوا! ويا سادة وسيدات الفكر المقاتل المعادي المحارب: اسكتوا! ويا سادة وسيدات زارعي الفتن والطائفية: اسكتوا! التزموا الصمت! وإلا سأضطر أنا الضعيفة المسكينة إلى أن أصدر الأوامر من زاويتي الصغيرة الفتفوتة هذه، لأطلب من جميع ساكني هذا البلد الطيب التزام الصمت والهدوء الإجباري. وسأضع يافطة كبرى أكتب عليها: «الرجاء عدم إزعاج السعودية»، ليتسنى لكل منا أن يباشر مهامه ولتنصب كلها لصالح النفس أولا فالمجتمع فهذا البلد... ويا حبي لكم ولهذا البلد. فإياكم أن تلمسوه بشر، لأننا لو استمرأنا واستمرينا في هذا الانقسام الفكري فإننا لن ننال أي شيء، وهذا البلد هو كل شيء، وهو يستوعبنا كلنا ونحن نستوعب بعضنا أيضاً. لكن ما يقلقني أن البعض منا يلعب دور المتزمت المفرط في تزمته، والآخر يلعب دور المنفتح المتزمت في انفتاحه، وإنها لمسرحية لا أصدقها لسبب بسيط، وهو أن المسلم الصحيح لا يعرف التزمت ولا التطرف لا في الانغلاق ولا في الانفتاح، لكن من وضع القناع صدق القناع، فانزعوا أقنعتكم يا واضعيها. لا أحب القناع والمقنعين، وأكره العنف والمعنفين والمستنفعين، وأخاف من الإرهابيين والمرجفين والمطبلين سواسية. ولأنني أحب الأمن والسلام، ولأن هذا البلد هو بلد الأمان والسلام، ولأنني أفضل البطة وغبائها ألف مرة على الثعبان وغدره، ولأن كوني امرأة أفهم معنى الأمن لي ولعائلتي ولكم ولعائلاتكم، وأدرك تمام الإدراك أن الإنسان ما جاء إلى هذه الدنيا من أجل وضع قنبلة في أي موضع، وما جاء الإنسان ليزرع المتفجرات وبث السموم ليجعلني أفقد كل طمأنينة فكرية، بل جاء الإنسان ليترك عطراً جميلاً في هذا الكون، جاء ليساند أخيه الإنسان، ولأنني أساند كل شخص على أرض هذا البلد الطيب الآمن سأعرض مشروعي عليكم. هو مشروع يتلخص في الوداعة واللطف حد النعومة في التعامل مع بعضنا البعض، في الاستقبال الحافل لكل وجه نصادفه، في انحناءة التواضع عند السلام، في التلفظ بالكلمات، في التفكير بها قبل نطقها. طبعاً لكل منا حرية استعمال الكلمات بحسب الغرض الذي يريد، لكن بشرط تحديد النية، والنوايا الحسنة لا تسفر دوماً عن أفعال حسنة، فما بالك بسيئي النوايا وفاسدي الذمم. لذلك أصدرت أوامري بالهدوء، فنحن في حاجة جداً لفكر هادئ حتى يتلاشى أي سوء تفاهم بيننا، حتى تتم المصالحة الفكرية، حتى يحترم كل واحد فينا الآخر، ولا يتدخل في شؤونه، حتى يتصالح كل مع نفسه أولاً، لأنني كيف أراه متفقاً مع الآخرين إن كان في خلاف مع نفسه. فاتخذوا الموقف الواضح والصريح أن نعمل لخيرنا وخير أهلنا السعوديين، لا حباً في سلطة ولا في ظهور بل ولاء ووفاء لهذا الوطن لنبنيه حضارة وعلماً وعملاً نقضي به على أي تخلف أو جهل أو عصبية. تصالحوا مع أنفسكم يا سادة وسيدات، حتى تشاهدوا جمال هذا البلد وتقدروا عطاءه، فعندما يسأل أحدكم نفسه: أين أستقر؟ فهو يعرف جيداً أن هذا هو بلد الاستقرار والتاريخ والمستقبل له ولولده، هذا البلد فيه متعة النوم والاستيقاظ واللقمة الدافئة، هذا البلد عزنا وسترنا مهما منه اشتكينا لكن نحبه وما لنا غيره. والله ما سافرت إلا واحترت كيف إليه أعود وأصل وأواصل ناسه الطيبة وأشم رائحته وأعانق سماءه، وعلمت نفسي كيف أنطق اسمه حروفاً من ذهب. يا وطن الذهب، يا السعودية كوني فأنا دونك لن أكون، كوني قوية كما الفولاذ لأطير فيك كما الفراشة، كوني جموداً كالصفوان لأعبر أيامي بك بمرونة، كوني العقل لتتحملي غبائي وجهلي، كوني أمي وأبي فلن آخذ توجيهاتي وإرشاداتي بعد الله إلا منك ومن مليكي وكل هذه القلوب الطيبة التي أسكنها وتسكنني، كوني كما تبغين فأنا أعيش يومك الوطني كل يوم... ولنسكت كلنا وتحكي أرضك حكاية مجدك. [email protected]