لكل شعب بعض الخصال والسمات التي على رغم الطابع الإنساني العام الذي يجمع بين كل البشر، تميزه عن غيره من الشعوب. وتجمع ما هو سلبي وما هو إيجابي. الأكراد كشعب عريق من شعوب بلاد ما بين النهرين يتميز بسمات إيجابية عرف بها منذ القدم وذكرت في كتابات الرحالة والفاتحين والغزاة الأوائل ومنها الوفاء والشجاعة والاستقامة. لكن غالباً ما تكون هذه الشجاعة وهذا الوفاء والاستقامة للغير وليس لأبناء الشعب. من الواضح أن الأكراد غير متفقين على قواسم مشتركة وقد نبهنا إلى هذا الأمر أمير القلم الكردي الشاعر أحمد خاني منذ القرن السابع عشر. هذا ما خطر في ذهني وأنا أتابع ما يجري في إقليم كردستان العراق - حيث أعيش - بخصوص انتخابات برلمان العراق في الشهر الأول من العام المقبل وكيفية مشاركة الأكراد فيها. وعلى رغم أنني أتجنب خوض مضمار السياسة قدر استطاعتي لكنني ارتأيت الإشارة إلى بعض النقاط باختصار. أفرزت انتخابات برلمان ورئاسة إقليم كردستان العراق التي أجريت هذا العام ظهور معارضة للسلطة داخل البرلمان. وكما هو معلوم فإن المعارضة في أي بلد ما هي إلا مرآة للحكومة ووجودها ضروري ومظهر من مظاهر الديموقراطية ودليل على توافر هامش من الحرية ومجال لقيام تعددية سياسية. وعلى حكومة إقليم كردستان تقبل هذا الأمر بكل رحابة صدر والتأقلم معه لأن عصر الأحزاب الواحدة واللون الواحد والديكتاتوريات قد ولّى إلى غير رجعة. لقد شاركت في الانتخابات المذكورة إلى جانب قائمة الحزبين الرئيسين في الإقليم قوائم عدة عبّرت عن التنوع السياسي والقومي والديني لشعب إقليم كردستان. الحفاظ على هذه التعددية وهامش الحرية والديموقراطية مهمة نبيلة للحفاظ على التوازن القائم داخل الإقليم. لذا أرى أن الدعوات إلى مشاركة القوى والأحزاب والقوائم الكردية بقائمة واحدة في انتخابات برلمان العراق غير منطقية بل الأجدى هو الموقف الواحد والموحد وليس من الضرورة أن تتحد كافة القوائم في قائمة واحدة. من جهة ثانية، يعلم كل متتبع للأمور في العراق أن ثمة خلافات مستحكمة بين حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومة إقليم كردستان بخصوص مسائل عالقة من أبرزها هوية ومستقبل مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها بين الجانبين وكذلك تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي ومسائل النفط ومدينة الموصل والموازنة وغيرها. حكومة المالكي تنظر إلى الكرد نظرة واحدة وعلى الكرد أن يتجهوا نحو بغداد بصف واحد ومعاً على الأقل كما فعلت القوى العربية العراقية الشيعية والسنية حيث عزز كل منهما صفوفه وتناسى خلافاته ولو إلى حين. وكذلك في إقليم كردستان، ليشهد الإقليم ظهور معارضة وتعددية واختلافاً في الآراء والمواقف فهذه علامات إيجابية لكن علينا التعلم وأخذ العبر من التاريخ والتوحد صفاً واحداً تجاه الخارج. انتخابات برلمان العراق المقبلة في بداية 2010 تجري في مرحلة حساسة من حياة الاقليم وتجربته الفتية، وعلى القوى الكردية على رغم كل اختلافاتها السعي إلى الحفاظ على تجربة الإقليم على رغم كل الشوائب. وعلى حكومة الإقليم أن تدرك أن الحفاظ على هذه التجربة ليس مهمة الآخرين فقط بل مهمتها قبل كل شيء. على رغم الأخطاء والنواقص في الإقليم والتي تحصل عادة في المراحل الانتقالية من مرحلة الثورة إلى السلطة في معظم الدول، إلا أن مسألة المشاركة في انتخابات برلمان العراق هي مسألة قومية وذات علاقة بالمصالح المشتركة العليا لكل الأطراف والقوى ولشعب إقليم كردستان. لذا على السلطة والمعارضة معرفة أن طريق الحفاظ على تعددية الإقليم السياسية يمر عبر التوحد والاتحاد والتوجه نحو بغداد صفاً واحداً.