منذ زمن طويل تحلم نادية بالحصول على شهادة الثانوية العامة من أجل أن تلتحق بالجامعة. ثلاثون عاماً غابت عن مقاعد الدراسة، لتعود هذا العام طالبة تسأل عن الفقرات المهمة في المنهج وتبحث عن الأسئلة المتوقعة ونماذج الامتحانات. « كنت أخجل من الالتحاق بصفوف يدرس فيها طلاب من جيل أولادي»، تقول السيدة التي تجاوزت الخمسين من العمر، والتي استعانت بمعهد مختص بتعليم الكبار لتدرس فيه منهج الثانوية العامة الفرع الأدبي. وتطمح نادية، التي تعمل مساعدة مديرة في روضة للأطفال، الى الحصول على معدل عالٍ في الثانوية العامة لمتابعة الدراسة في كلية التربية في قسم رياض الأطفال، وتنوي في المستقبل افتتاح روضة أطفال خاصة تديرها بنفسها، ويشاركها في مشروعها بعض الأصدقاء والمقربين ممن يترقبون نتيجة الامتحان الذي ستخوضه بعد حوالى الشهرين. تقول نادية: «صديقاتي يترقبن نتيجة امتحاني بفارغ الصبر فمنهن من ينتظرن النتيجة حتى يلتحقن بالمقاعد الدراسية، في حال نجحت، في الحصول على شهادة بعد كل هذا الوقت». زملاء نادية في الصف يشكون كثيراً من ضيق الوقت وصعوبة استثماره في المذاكرة والتحضير للامتحانات، أما نادية فترجع الفضل في حسن أدائها الذي يثني عليه الأساتذة إلى التشجيع الذي تتلقاه من أولادها، وتعطي مثلاً على ذلك أن ولدها المغترب في ألمانيا أجّل إجازته السنوية إلى أواخر الصيف حتى لا تنشغل والدته باستقبال الضيوف عند قدومه. ويقدر، المدير التنفيذي والمشرف على صفوف تعليم الكبار في معهد الحلبوني، حسن حسن، نسبة متوسطي الأعمار الذين لم يحصلوا على شهادة الثانوية، في سورية، ب30 في المئة، معتبراً أن البيئة الاجتماعية للطالب والمستوى الثقافي والتعليمي لبقية أفراد أسرته يلعبان دوراً أساسياً في دعمه لمواصلة التعليم والحصول على شهادة التعليم الأساسي أو الثانوي التي تنقصه. ويقول: «معظم الطلاب، الذين يدرسون في المعهد في الصفوف المخصصة لكبار السن، ذوو انشغالات ومسؤوليات اجتماعية كثيرة كالعمل سواء خارج المنزل أم داخله، لذا نحاول تجاوز هذه المشكلة بتوزيع مواعيد الدروس في فترتين صباحية ومسائية». ويلمّح حسن إلى أن بعض طلاب صفوف تعليم الكبار يحرصون على طابع السرية عند التسجيل في المعهد خجلاً من نظرة المجتمع إليه، على أساس «بعد ما شاب راح على الكتاب»، إلا أن إدارة المعهد تحرص على إقناع الطلاب بأهمية التعليم لتطوير الذات لكون العلم متجدداً ولا ينقطع، ما يشجع طلابه على تحدي نظرة المجتمع القاصرة تلك. ويوضح الدكتورعلي أحمد مدكور في كتابه «تعليم الكبار والتعليم المستمر»، أن كبار السن لديهم دوافع داخلية كامنة للتعلم ومتابعة الدراسة أهمّها الشعور بالأمان والانتماء وتحقيق الذات واكتشاف قدرات جديدة لاستخدامها في العمل والرغبة في الحصول على دور اجتماعي جاد وفعال، كما أن الطموح والتطلعات الاجتماعية تحفز الكبار إلى ضرورة الحصول على مزيد من المعلومات والتدرب على المهارات اللازمة لتحقيق هذه الطموحات، وهذه عملية نامية ومتجددة طوال الحياة بخاصة لدى الأفراد ذوي الطموحات الكبيرة. وعلى رغم أن كبار السن أكثر عرضة لمشاكل صحية مثل ضعف النظر أو انخفاض مستوى السمع مقارنة مع اليافعين والصغار والتي من شأنها أن تعيق التعلم إلا أن ثمة ظروفاً تجعل كبار السن أكثر استجابة للتعلم منها أن القدرة على التعلم تظل في تنام لدى الأشخاص المشتغلين بعمل يشتمل على نشاط ذهني اذ يكونون أقدر على معالجة عمليات التعلم الأكثر تعقيداً مقارنة بصغار السن لكن في المقابل تكون درجة الذكاء لدى الكبار المشتغلين بأعمال بدنية في انخفاض، وتعتبر النشاطات التعليمية والاجتماعية في الفترة المتأخرة من الحياة مهمة للحفاظ على قدرات التعلم والتذكر ومقاومة النسيان.