في خطاب حال الإتحاد الأخير، ذهب الرئيس الاميركي الى ان الأمة التي تستثمر في الابتكار اليوم ستهيمن على الاقتصاد العالمي غداً، وأن الصين لا تقف موقف المتفرج وتسعى الى مثل هذه الهيمنة. وبعد أكثر من 3 عقود على انتهاجها سياسة الطفل الواحد بدأ النقص في اليد العاملة «الرخيصة» يتعاظم. واليوم، تسعى بكين في سبل ابتكار منتجاتها عوض الاكتفاء بتصنيع نماذج الآخرين، فهي تريد الانتقال من صناعة هواتف «آي فون» الى ابتكار مثلها. ويظهر تقرير أصدرته وكالة فيديرالية أميركية ان حجم الانتاج التكنولوجي الصيني قد يضاهي نظيره الاميركي في القريب العاجل. وثمة مؤشرات الى ذلك، منها ان الصين تستثمر شطراً أكبر من ثروتها في تمويل الأبحاث وتطوير (ابتكارات جديدة) وأن أعداد حَمَلة الشهادات في الهندسة يتعاظم. واليوم أوجه الشبه بين الصين وصورتها الراسخة في الخيال الاميركي الشعبي ضعيفة. فهي لم تعد مصنع تجميع السلع في مرحلة ما بعد ماو. وهي مثل خلية نحل لا تكل فيها حركة انتاج سلع جديدة وابتكار افكار جديدة واستثمارات خلاقة. وثمة ابتكارات محلية ملفتة تستطيع منافسة نظيرتها الاميركية من غير عسر، ومنها تطبيق الرسائل الهاتفية الخليوية «وي شات». وفي الشهر الماضي، احتفت صحيفة «وول ستريت جورنال» ب «دوران عجلة الابتكار الصيني». ويشير تقرير «المجلس العلمي الوطني (الاميركي)» الاخير الى ان مركز ثقل التكنولوجيا يميل الى آسيا، وعلى وجه التحديد، الى الصين أبرز منافسي الولاياتالمتحدة في مجال الجيو – سياسة. فحصتها من صناعة التكنولوجيا الدقيقة ارتفعت من 8 في المئة في 2003 الى 24 في المئة في 2012. وقد لا تبقى الولاياتالمتحدة في صدارة هذا الضرب من التصنيع (وحصتها من هذه الصناعة تبلغ اليوم 27 في المئة)، في وقت تنمو مشاريع الابحاث والتطوير الصينية 18 في المئة سنوياً. ويرى مدير المجلس هذا، دان إي آرفيزو، ان تربع الصين في صدارة انتاج السلع التكنولوجية الدقيقة مرجح في المستقبل القريب. وسلط الضوء على ان حجم الاستثمار في الأبحاث والتطوير يتعاظم دولياً سنة بعد سنة، وان حصة اميركا تبدو أصغر «نسبياً». وعلى رغم ان كلاً من الولاياتالمتحدة وأوروبا - القطاعات الخاصة والعامة على حد سواء - استثمرت اموالاً كثيرة في الابحاث والتطوير، تقلصت حصتاهما من ثمار هذا الانتاج في العقد الماضي. فتدنت حصة أميركا من الابحاث والتطوير العالمية من 37 في المئة الى 30 في المئة، في وقت ارتفعت حصة الصين من 2.2 في المئة في عام 2000، الى 14.5 في المئة في 2011. وفي 1999، اقتصر عدد خريجي الجامعات في الصين على مليون متخرج. وفي العام الماضي، شارف عددهم على بلوغ 7 ملايين متخرج. وعدد حَمَلة الشهادات «الرفيعة المستوى» - وهي تخول حاملها خضوض مضمار الابحاث المتقدمة - يفوق نظيره في أميركا. والتفوق في اعداد حَمَلة الشهادات مرده الى التباين في عدد الاميركيين (316 مليون نسمة) والصينيين (1.3 بليون نسمة). ولكن نظرة مفصلة الى التباين هذا تبعث على القلق. ففي الصين 31 في المئة من الخريجين يحملون شهادات في الهندسة. ونظير النسبة هذه في أميركا يقتصر على 5 في المئة. ولكن الطريق لا يزال طويلاً قبل ان تستطيع بكين اللحاق بركب أميركا. فحصة صناعة التكنولوجيا الدقيقة في الولاياتالمتحدة من الناتج المحلي هي الاعلى في العالم، وتبلغ 40 في المئة. والحق ان الصين تواجه تحديات كثيرة في سعيها الى الصدارة العالمية في قطاع الابتكار. فعدد كبير من خريجيها الواعدين يسلكون طريق الهجرة للدراسة في الخارج أو المشاركة في الابحاث في الدول الثرية. وجامعاتها تتعثر بقيود بيروقراطية ويشوب المناهج التعليمية انحياز عقائدي. خلاصة القول ان الولاياتالمتحدة تتربع في صدارة عالم التكنولوجيا عالمياً، وان الصين تخطو خطوات دؤوبة للحاق بها، ولن ينحسر التفوق الأميركي التكنولوجي في القريب العاجل. * صحافي، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 6/2/2014، إعداد منال نحاس