تتزايد أعداد السوريين العاطلين عن العمل مع استمرار الأحداث المسلحة في البلاد. فبعد فترة قصيرة من بدء الأزمة السورية، أغلقت شركات كثيرة أبوابها وسرّحت العمال، على اعتبار أن الاقتصاد السوري لم يعد بيئة مناسبة للاستثمار، واحتمالات الخسارة تفوق احتمالات الربح. وسرعان ما تحوّل العاملون والموظفون إلى عاطلين عن العمل. ويقول شادي، شاب سوري خسر عمله في مكتب سياحي بسبب الأحداث: «منذ بدء الأزمة لم أترك فرصة عمل إلا وتقدمت إليها، بعدما خسرت عملي. القطاع السياحي كان أول وأكثر القطاعات تضرراً من الأزمة، لكن الرفض كان يأتي لصعوبة تأمين فيزا السفر وليس لضعف مؤهلاتي». شادي واحد من سوريين كثيرين يسعون للحصول على فرصة عمل خارج البلاد أملاً بمستقبل أفضل. ومع تفاقم الأحداث ارتفع عدد العاطلين عن العمل وكذلك نسبة البطالة. وكشفت دراسة أن تواصل النزاع المسلح ترك أثراً كبيراً على سوق العمل، ليس من حيث الهيكلية فحسب وإنما على ثقافة العمل أيضاً. وأظهر مسح قوة العمل الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء عام 2011 أن معدل التوظيف تراجع من 39 في المئة عام 2010 إلى 36.1 في المئة عام 2011، في حين ارتفع معدل البطالة إلى 14.9 عام 2011. وحتى عام 2012 كان سوق العمل خسر 1.57 مليون فرصة عمل، وارتفع الرقم إلى 2.39 مليوناً بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2013، ثم إلى 2.67 مليوناً بحلول نهاية الربع الرابع من 2013. كما ارتفع معدل البطالة بشكل كبير من 37 في المئة عام 2012، إلى 50 في المئة في الربع الثالث من عام 2013، و54.3 في المئة في نهاية العام ذاته. وعملت الحكومة السورية من جهتها، على توفير فرص عمل عن طريق عقود سنوية أو عقود لمدة ثلاثة أشهر، كما أعلنت أخيراً أن مشروع الموازنة المالية لعام 2015 سيتضمن توفير نحو 94.5 ألف فرصة عمل، مقابل نحو 103 آلاف فرصة عمل كانت أعلنت عنها في موازنتها لعام 2014. في المقابل، لم يساهم القطاع الخاص بتوفير فرص عمل جديدة، وإن كان استفاد من الأزمة لتخفيض الرواتب في بعض الحالات، كما تشرح نادية التي استقالت من عملها في أحد البنوك الخاصة بسبب رفض إدارة البنك منحها زيادة على راتبها الذي لا يتناسب مع المجهود الذي تبذله. وتقول نادية: «منذ ثلاثة أشهر أحاول إيجاد عمل آخر، لكن الأجور أقل من الحد الأدنى. هذا حال كثيرين مثلي أثّرت عليهم الأزمة مادياً ومعنوياً، بخاصة وأن الألتزامات المعيشية أصبحت تفوق الدخول بعشرات المرات». ويرى اقتصاديون أن توفير فرص عمل بالحجم الذي تعلن عنه الحكومة في موازنتها هو رقم إيجابي بالنظر إلى تراجع الحركة الاقتصادية عمّا كانت عليه قبل الأزمة، معتبرين أنه يمكن إيجاد فرص عمل في شكل فعال شرط أن يكون ذلك وفق محددات معينة، حيث تختلف كلفة تأمين فرصة العمل بحسب طبيعتها، ويمكن أن تصل إلى نحو مليوني ليرة سورية تزيد أو تنقص وفق نوع الوظيفة. وتشير أرقام المركز السوري لبحوث السياسات الخاصة إلى اختلاف معدل البطالة بين محافظة وأخرى، حيث سجلت محافظة الحسكة أعلى معدل للبطالة بواقع 65 في المئة، تليها الرقة ب64 في المئة. أما محافظتا حلب ودير الزور فبلغت نسبة البطالة في كل منهما 59 في المئة، كما بلغ المعدل في كل من دمشق وريفها وادلب ودرعا والقنيطرة نحو 50 في المئة، وفي السويداء وحمص نحو 50 في المئة. أما طرطوس واللاذقية وحماه، فسجلت أدنى المستويات وكانت على التوالي: 46 و47 و48 في المئة. ويعكس التفاوت في معدلات البطالة بين المحافظات تعاظم وتيرة النزاع المسلح، إذ سجلت المحافظات التي تتصاعد فيها العمليات العسكرية ويغيب الأمن أعلى مستويات البطالة، في حين شهدت المحافظات التي تنعم بالإستقرار الأمني النسبي أدنى معدلات. وأجبر انكماش سوق العمل الرسمي شريحة هامة من السكان الناشطين اقتصادياً على الانضمام الى النشاطات الاقتصادية غير الرسمية، ومن ضمن ذلك ورش العمل الصناعية الصغيرة وصغار رواد الأعمال الذين ينشطون في أسواق الشوارع. كما انتقلت فعاليات اقتصادية من مناطق النزاع إلى مناطق أخرى تعتبر أكثر أمناً، ما أدى إلى تغيّر البنية الاقتصادية والديموغرافية لتلك المناطق. وترك فقدان 2.67 مليون فرصة عمل بحلول نهاية 2013 أثراً فادحاً على معيشة 11.03 مليون إنسان فقدوا مصدر دخلهم الرئيسي، في حين يعاني بقية العاملين من تراجع حاد في الأجور الحقيقية ما جعلهم يكابدون لتوفير الاحتياجات الضرورية لعائلاتهم.