أما وقد انتهت وجبات رمضان الدسمة بنوعيها الغذائي والدرامي على الشاشة الصغيرة، فإن أوان الأطباق الخفيفة قد آن للتخلص من التخمة بنوعيها. لكن الوجبات الدرامية التركية والمكسيكية التي ستنهمر فوق رؤوس المشاهدين، ستجعل تخمتهم أشد وطأة. والتجارب السابقة في مجال تحضير الوجبات الغذائية البسيطة في برامج الطهي التلفزيونية تقضي على كل أمل. إن طريقة تقديم تلك الأطباق تظهرها كأنها تسلية أو لهو أطفال، إنما حين يهرع المشاهد، (أو بالأحرى المشاهدة) إلى المطبخ بعد متابعته طريقة تحضير طبق متحمساً متفائلاً بالسهولة التي يتم بها، على الشاشة، الحصول على أطباق لذيذة، فإنه سرعان ما سيجد أنه في فخ وقع فيه بكامل إرادته. لتحضير وجبة «لطيفة، بسيطة، سريعة وسهلة» من الدجاج المقلي مع الخضار المتنوعة مثلاً، يظهر الطاهي أو الطاهية على الشاشة وقد علت سيماءهم علامات الحبور وهم يشيرون إلى الصحون المتناثرة على الطاولة والمحتوية أنواعاً مختلفة من الخضراوات المسبقة التقطيع وعلى قطع الدجاج الجاهزة هي الأخرى. أما كيف تكون الوجبة «لطيفة»؟ فلهذا حديث آخر. ما يهم الآن هو أنها «سريعة وسهلة». المشاهد هنا لن يفكر بزمن تقطيع كل ما ذكر، لن يلقي بالاً للأيادي الخفية التي تناول وتتناول وتجعل من طاولة العمل في وضع نظيف ومرتب لا تشوبه شائبة. كل ما يرسخ في ذاكرته هو أنه قبل انقضاء ساعة من البرنامج (مع الدعايات) كانت النتيجة طاولة عامرة بكل ما هو شهي وسهل. في حين أنه خارج الشاشة وداخل المطبخ الحقيقي، ينقضي ما يعادل وقت البرنامج في غسل وتقشير وتقطيع وقلي الخضار. وبعد مقاومة قطع الدجاج للتقطيع (لم يشرحوا الطريقة المثلى للتقطيع) ندخل في الوقت الإضافي، لكن تحضير البطاطا يعيد «بهجتنا» بدخول المطبخ، فقد كان أمتع ما في الوصفة، إذ ُسمح لنا، ويا للسعادة، بوضعها في الفرن بقشرها. بعد أن يستقر كل شيء على النار، تكفي نظرة «سريعة» على المطبخ لتعطي انطباعاً بأن إعصاراً ما قد مرّ من هنا! أين هذا المنظر مما نراه في مطبخ التلفزيون؟.. المطبخ «طاف» والمجلى لم يعد يتسع لملعقة، فيما كان الزيت «يطشطش» ناثراً قطراته المقيتة في كل مكان (لمَ لا يقولون نصائح مفيدة من نوع كيف لا «يطشطش» الزيت؟). أما في الفرن، فإن البطاطا التي لفت بورق الألمنيوم كما اقترحوا، كانت ترفض، وبعناد، «الاستواء». نجاح البرنامج يأتي من فكرة أن أي رغبة في تناول تلك الوجبة «السهلة واللطيفة» بعد هذا الإنهاك، تتلاشى. أما ما يطلقون عليه «وجبة سريعة» فلا يتوافر إلا في المطاعم.