أقر جون كيري في الكونغرس بأن سياسة ادارة اوباما اخفقت في سورية، وفق نائبين جمهوريين. لكن هذه التصريحات نُفِيت. وطوال أشهر، طمأن وزير الخارجية الاميركي العالم الى ان السبيل الأمثل لجبه تحديات المجازر السورية الملحمية هو مفاوضات السلام في جنيف. وهذه ترمي، وفق كيري، الى انشاء حكومة انتقالية تتربع محل نظام الأسد. وهو أشار مراراً الى ان الاتفاق مع الأسد لتسليم ترسانته من الأسلحة الكيماوية، يخفّف تهديد الحرب الأهلية السورية للمصالح الأميركية، ومثله فعل أوباما. والطعن في صدقية هذه المزاعم كان غالباً، واليوم، لم يعد في الإمكان تكرار لازمتها. ووفق الأخضر الابراهيمي، مبعوث الأممالمتحدة الى «جنيف-2»، لم تنته المفاوضات الى ما يذكر. فالنظام السوري رفض التفاوض على حكومة انتقالية كما وعد كيري العالم، ورفض كذلك التزام خطوات إنسانية وفتح طرق الامدادات الغذائية امام آلاف المدنيين المحاصرين والمحرومين من الغذاء والدواء، في مجاعة متعمدة ومنظمة. أما في ما يتعلق بالاتفاق الكيماوي العتيد، فبشار الأسد يعرقل عمداً عملية تسليم الأسلحة الكيماوية- واقتصر تعاونه على تسليم 4 في المئة من هذه الترسانة، وفق تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر الأسبوع الماضي. تقف واشنطن موقف المتفرج ازاء تهديد سورية مصالحها. وأبلغ الاسبوع الماضي مدير الاستخبارات القومية، جيمس آر. كلابر جونيور، الكونغرس ان سورية «صارت بؤرة تطرف راديكالي وخطراً على اميركا». ولا يُستخف باحتمال ان يكون ارهابيون مرتبطون ب «القاعدة» انتخبوا اراضي سورية، يسيطرون عليها، غرفةَ عمليات تُعِدُّ اعتداءات على اميركا. وعلى رغم هذه الأخطار، لا تنفك ديبلوماسية اوباما وكيري ترفع لواء عدم التدخل. ويزعم الرئيس الأميركي ان بلاده غير قادرة على التأثير في اوضاع سورية من غير اجتياحها، على نحو ما فعلت في العراق. لكن الأسد دحض الزعم هذا حين تراجع امام تلويح اوباما بشن هجمات صاروخية على دمشق الصيف الماضي، ووافق سريعاً على تسليم الترسانة الكيماوية. ولا شك في ان استعراض واشنطن قوتها اليوم سيحمل الأسد على التزام الاتفاق الكيماوي، ووضع حد لجرائم النظام المروعة ضد الانسانية – وهي ترتكب على مرأى من العالم - بدءاً من الحصار وتجويع الأطفال والاعدامات الجماعية وصولاً الى رمي البراميل المتفجرة وصواريخ «سكود» وغيرها على المباني السكنية والمستشفيات والمدارس. وخطوة اولى نحو ثني النظام السوري عن اجرامه هي تأييد الإدارة الأميركية مساعي الحلفاء في الأممالمتحدة لإصدار قرار يُلزم سورية بتسليم المساعدات الإنسانية ويسمح لعمال الإغاثة الأمميين بالعمل في المناطق الخارجة على سيطرة الحكومة. حتى فلاديمير بوتين قد يتردد في الظهور بمظهر من يستخدم حق النقض ضد قرار تسليم الغذاء للأطفال الجوعى، وآن اوان أن تحاسب ادارة اوباما، سواء في مجلس الأمن او خارجه، النظام السوري على جرائمه وتجبه تهديدات «القاعدة». لكن جعبة كيري مازالت إلى اليوم خاوية من سياسة جديدة. * افتتاحية الصحيفة ، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 4/2/2014، إعداد منال نحاس