لم يلفت نظري في القضية الجديدة تطابق الاسم الأخير للمدعي والمدعى عليه، فالقضاء معتاد على خصومات أبناء العمومة والأشقاء، خصوصاً أن لائحة الدعوى المختصرة اكتفت بمطالبة المدعي (الشريك) بمحاسبة المدعى عليه (الشريك المدير) وطلب تصفية الشركة. خلافات الشركاء في الشركات العائلية غير جديدة على القضاء التجاري، سواء بين أقطاب الجيل الأول المؤسس أم مع ورثتهم. ما يجذب الانتباه في هذه القضية على وجه الخصوص أنه بالمناداة على أطراف النزاع لحضور الجلسة القضائية، تقدم مسن سبعيني تغشاه هالة الوقار والتؤدة، ودخل خلفه شاب في عشرينات عمره، جلسا أمام الدائرة التجارية في مكانين منفصلين عن بعضهما. سألهما رئيس الجلسة: أيكما المدعي؟ فأشار الشاب بيده ثم بادر بسرد دعواه بأن المدعى عليه ارتكب أخطاء إدارية في إدارة الشركة ستعرضها للمخاطر، وطلب تحميله أضرار هذه الأخطاء وتصفية الشركة. بعد أن أنهى الشاب المدعي دعواه التفت القاضي إلى المدعى عليه وطلب منه الإجابة على الدعوى، تنهد الشيخ السبعيني بتأسف، ثم تقدم بجلسته إلى طرف الكرسي الذي يجلس عليه، وبدأ بعدة جمل لم ينهها، كأنه متردد بين عدة أفكار يود أن يبتدئ بها حديثه. أخيراً تكلم السبعيني بما لم يكن في حسبان أحد ممن حضر الجلسة، حكا كيف أنه بنى هذه الشركة بكدح سنين العمر، لتبقى مورداً لأبنائه من بعده، وأنه طوال هذه المسيرة المشرّفة لم يدخل محكمة قط سوى هذه المرة. دخلها بسبب دعوى أقرب الناس إليه، ابنه الذي أدخله شريكاً في الشركة من دون مقابل أسوة ببقية أبنائه. انتهى الشاهد من القصة، لأقول: بقدر متانة الشراكة العائلية، بقدر شراسة خلافاتها، ولا يلزم من الشركة العائلية أن تضم كل أفراد العائلة، وفي حالات قد يكون تحييد متقلبي المزاج والسلوك عن إدارة الشركة مع بقاء ملكيتهم كشركاء، غير كافٍ لسلامة مسيرتها. * القاضي بديوان المظالم سابقاً [email protected]