تهافت فرنسيون وإيطاليون أخيراً، الى مسرح «MC 93» الوطني الفرنسي في ضاحية بوبيني الباريسية الشمالية، ليتابعوا عرض «الأصوات الداخلية» (Le Voci di Dentro) الإيطالي لفرقة «بيكولو تياترو دي ميلانو» وهي إحدى أعرق الفرق المسرحية عالمياً. والعرض الذي يتولى إخراجه والدور الرئيس فيه النجم السينمائي والمسرحي طوني سرفيلو، مأخوذ عن نص للمؤلف الإيطالي الراحل المعروف بيبينو دي فيليبو. وقد بيعت بطاقات الدخول إليه قبل شهر من افتتاحه، على رغم كبر حجم القاعة التي يُقدّم فيها والتي تتسع لحوالى 900 متفرج. وقد لمع اسم المسرحي طوني سرفيلو حديثاً في الفن السابع، في فيلم «الجميلة الكبيرة» (La Grande Bellezza) الحائز جائزة أفضل فيلم أجنبي في مسابقة «غولدن غلوب» الأخيرة في 12 كانون الثاني (يناير) الجاري. وتدور أحداث المسرحية في مدينة نابولي الجنوبية، مسقط رأس المؤلف دي فيليبو، الأمر الذي يمنح الشخصيات والحوار نكهة خاصة جداً، بما أن أهل نابولي يتميزون بمواصفات لا علاقة لها بمثيلاتها لدى سكان روما أو ميلانو أو أي مدينة إيطالية عامة. فهم يملكون لكنة شبه موسيقية تجعلهم يبدون وكأنهم يغنون كلما تفوهوا بعبارة ما، إضافة إلى كونهم يميلون إلى المبالغة في الحكايات التي يسردونها وفي التكلم بصوت عال. كل هذه العناصر متوافرة في «الأصوات الداخلية» وهي تحوّل حبكة بوليسية بسيطة عادية تخص رجلاً يشك في أن جيرانه ارتكبوا جريمة قتل ويخفون جثة في شقتهم، إلى سلسلة من المواقف الساخرة والمرحة التي تسلط الضوء بشراسة على عيوب الشعب الإيطالي عموماً وخصوصاً مَن يُقيمون في نابولي. وهكذا تمتزج الإثارة بالضحك في العرض، فيغادر المتفرج المسرح مفعماً بالسعادة بعدما يقضي ساعتين كاملتين في متابعة عرض غير محدد الملامح. هل هو بوليسي مخيف و»هيتشكوكي» أم مجرد كوميديا ساخرة رفيعة المستوى؟ وإذا توجّه السؤال إلى طوني سرفيلو، يجيب بأنه شخصياً لا يعرف الرد وأنه أخرج النص طبقاً لما كتبه دي فيليبو أساساً، إلا أن المؤلف رحل عن الدنيا وبالتالي لا يتسنى محاولة دفعه إلى تفسير نياته الخفية حين ألف هذه المسرحية! وهكذا يفلت سرفيلو من الدخول في تفاصيل عمله كمخرج، تاركاً للمتفرج الحرية الكاملة لتحليل ما يراه على الخشبة واستنتاج ما يرغب في استنتاجه من دون أدنى تأثير خارجي. فقد أكد سرفيلو في إحدى ندواته الإعلامية أن «العمل الفني يفسر نفسه بنفسه من دون الحاجة إلى تعليقات توضحه». واختار سرفيلو في التمثيل نخبة من أفضل ممثلي فرقة «بيكولو تياترو دي ميلانو» وعلى رأسهم شقيقه بيبي سرفيلو وهو موسيقي مشهور في إيطاليا. يذكر أن «الأصوات الداخلية» انتقل إلى فرنسا، بعدما نجح في إيطاليا وفي غيرها من الدول الأوروبية وفي اليابان والولايات المتحدة. وبعدما انتهت عروضه في مسرح «MC 93»، سينتقل قريباً، إلى قاعة باريسية بحتة في قلب العاصمة لم يعلن عنها بعد.