ديفيد لوبين: سياسات ترمب ستحول الدولار مصدراً للاضطراب العالمي    زيلينسكي يفضل الحلول الدبلوماسية.. ومجموعة السبع تهاجم روسيا    حول العالم    "وادي السلف".. فعاليات ومعارض وفنون    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    «إنسان».. خمس جوائز وتأهل للعالمية    المملكة تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية ب133 مليار دولار ل170 دولة    تحقيق يكشف الدهاء الروسي في أوكرانيا    ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل    "ديوان المظالم" يقيم ورشة عمل لبوابة الجهات الحكومية    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    المملكة تتسلم رسميًا استضافة منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026 في الرياض    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي    فتح باب التسجيل في جائزة فيصل بن بندر بن عبدالعزيز للتميز والإبداع    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    إمام المسجد النبوي: استبصار أسباب الفلاح يؤدي إلى السعادة    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    تدريبات النصر: بيولي يستدعي 12 لاعبًا شابًا    إعلان برنامج انتخابات الاتحادات الرياضية 2024 – 2028    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    أخضر الشاطئية يكسب الصين    74 تشكيليا يؤصلون تراث وحضارة النخلة    توقيع مذكّرة تفاهم بين السعودية وتونس لتشجيع الاستثمار المباشر    سباليتي يثني على الروح الجماعية لمنتخب إيطاليا    ضبط يمني في الدمام سكب الأسيد على آخر وطعنه حتى الموت    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    قوافل إغاثية سعودية جديدة تصل غزة    مسلح بسكين يحتجز عمالاً داخل مطعم في باريس    أسرتا نور وفدا تتلقيان التعازي في فقيدتهما    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    فيغا: الدوري السعودي يُشبه «الليغا».. وأشعر بالسعادة مع الأهلي    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    الأحساء وجهة سياحية ب5 مواقع مميزة    «هلال نجران» ينفذ فرضية الإصابات الخطيرة    خطأ في قائمة بولندا يحرم شفيدرسكي من المشاركة أمام البرتغال بدوري الأمم    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء الفنانين المشاركين في احتفال نور الرياض 2024    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيرة بين إحياء الذكرى والاحتفال بالفكرة
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2014

مواطن 1: كل سنة وأنتم طيبون. اليوم ذكرى ثورة يناير!
مواطن 2: إنها ذكرى عيد الشرطة، الشرطة التي كسرها الخونة والعملاء حاملو الأجندات الأجنبية.
مواطن 3: بل هي ذكرى فضح الشرطة وممارساتها القمعية وأفعالها الشيطانية. سنظل نهتف بأن «الشرطة بلطجية» حتى التطهير الشامل.
مواطن 4: لا تطهير ولا تنظير. الوطن في خطر ويواجه معركة حقيقية، ولا صوت يعلو على صوت المعركة لحين العبور من عنق زجاجة الإرهاب.
مواطن 5: إرهاب إيه؟ هذه التفجيرات أعمال استخباراتية لخلق الفوضى وترهيب الثوار وإكمال الانقضاض على الشرعية.
مواطن 6: عن أي شرعية تتحدث؟ الشرعية الوحيدة هي لثورة 25 يناير وشبابها.
مواطن 7: ثورة يناير لم تكتمل إلا بثورة 30 يونيو. ولولا نزول كل المصريين وعلى رأسهم حزب الكنبة الذي تطاول عليه ثوار يناير لاستكمل «الإخوان» نهشهم لمصر.
مواطن 8: «الإخوان» كانوا سيركبون الثورة بطريقة أو بأخرى. كرهت عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام»، على الأقل كان لدينا نظام.
مواطن 9: كان لدينا نظام فاسد كافر، وحين جاءنا نظام نقي مؤمن انقلبنا عليه. علينا أن نصعد ثورياً إلى حين إسقاط الانقلاب ومحاكمة الانقلابيين.
مواطن 10: (الملثم عبر تغريدة) نحذر المواطنين من الاحتفال بالثورة أو التواجد قرب المنشآت التابعة للجيش والشرطة، فهي أهداف مشروعة لنا. فاليوم قد زأر الرصاص لاختراق رؤوسكم!
رؤوس المصريين، «المفخخ» منها عبر سلمية «الإخوان» والمتفجر منها أفكاراً ونظريات والمنفجر منها من وطأة التقلبات الثورية الشديدة في العام الثالث من الثورة، نضحت بكثير من الأفعال الاحتفالية والعديد من التشككات الثورية وتلال المخاوف التفجيرية، إضافة إلى قدر غير قليل من اللخبطة الثورية.
فبعد ثلاث سنوات من ثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية» أسفرت عن فترتين انتقاليتين وحكم «إخواني» وانقلاب شعبي ورد فعل إرهابي ناهيك عن الانشطارات الشبابية والتفسخات الثورية والتحزبات الإسلامية والإنهاكات الشعبية، استيقظ المصريون أمس وبرنامج يومهم موضوع في خانة «هولد» بناء على مجريات اليوم التفجيرية، وتأمينات الميادين العسكرية، وبيانات «الإخوان» التحذيرية، ومطالبات الإعلام الحشدية، وتهديدات الجماعات الإرهابية، ونتيجة الصلوات الاستخارية، فإما النزول استجابة لدعوات الحشد، وإما الحشد استجابة لأوامر النزول، وإما الشعور بالفرحة لأن ذكرى الثورة حلت، أو إطلالة عبر النافذة لاستطلاع أجواء المباراة المرتقبة بين فريقي المصريين ومعهم الجيش والشرطة و «الإخوان» وضدهم الجيش والشرطة والمصريين، أو استراحة على «الكنبة» انتظاراً لأمر كان مفعولاً.
وإذا كان المصريون وجدوا أنفسهم أمس مشتتين بين النزول بغرض الاحتفال، أو الاحتشاد بهدف درء الإرهاب، أو الهتاف من أجل أن يكمل وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي «جميله» ويترشح للرئاسة، أو الامتناع عن النزول إما خوفاً من قنبلة هنا أو عبوة هناك، أو احتراماً لذكرى من مات من دون قصاص أو عقاب، أو قرفاً من أجواء غير مفهومة وتربيطات غير معروفة، فإن المشاعر وما يجول في الصدور بقيت أمس خارج نطاق «إنزل إحشد شارك»، باستثناء من نزلوا بحثا عن شرعية مفقودة.
فقد تفجرت أمس فوهات براكين من المشاعر المتضاربة بين إحساس بالغمة لأن الثورة لم تعد سوى ذكرى، أو تمسك بالأمل لأن الشعب نضج ولن يرضى بعودة فلول أو «إخوان» أو يحزنون، وإما الحلم بأن يترشح السيسي ويأتي «البطل المغوار» ليخلص البلاد من شرور «الإخوان»، أو كابوس أن يترشح السيسي وتسلم البلاد لحكم الجيش «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت»، وإما الإمساك بتلابيب الشرعية والإصرار على أن محمد مرسي أو غيره من مكتب الإرشاد «راجع إن شاء الله».
وشاء الله أن تحتفظ ذاكرات الحواسيب وأدمغة البشر وقلوبهم بصور وعبارات من زمن الأمس الثوري الجميل، وعهد الحكم «الإخواني» الرهيب، وفترات التشكيك الوطني للجميع، فشهد يوم أمس عمليات استعادة أرشيفية شعبية عنكبوتية ممنهجة لصور الشهداء، بحسب الانتماءات، ومشاهد الميدان، بحسب التوقيتات، ومنشورات الثوار، بحسب الأيديولوجيات. عمليات اجترار الماضي عنكبوتياً، واسترجاع الذكريات تاريخياً، وإحياء الذكرى افتراضياً عكست أجواء التفسخ الثوري الحالي ونقلت مشاهد التخوين الوطني الجاري. صور شهداء «الورد إللي فتح في جناين مصر» في كانون الثاني (يناير) 2011 قابلتها صور الشهداء الذين ارتقوا في «رابعة» وعماد الثورة الذين ضربوا في الأزهر والحرائر اللاتي أحرقن الجامعة باعتبارهم «ثوار يناير» من جهة، وصور شهداء الجيش والشرطة من طرف رافضي هؤلاء وأولئك من جهة أخرى. هتافات الثورة التي طالبت بإسقاط النظام كاشفة النقاء الثوري، وإبداعات شباب الثورة التي بادرت بآمال إصلاح مصر ونفوس المصريين التي شوهها الفساد قابلتها هتافات راكبي الثورة التي طالبت بمصر إسلامية رغم أنف العلمانية، وأخرى اشتراكية داعمة لهدم الكل بهدف إعادة البناء بنظافة قابلتها استرجاعات ناقمة على هذا وذاك، وهؤلاء وأولئك مسمية ثورة يناير ب «النكبة»، وواصفة ثوارها ب «الخونة»، وناقمة على نتائجها معنونة موقفها ب «تعيشوا وتفتكروا»!
في مثل يوم أمس بدأت الثورة بفكرة إضراب، وتعثرت بفكرة «إخوان»، وأُنعِشت بفكرة «تمرد»، وتعثرت بتداخل أفكار هنا وهناك، وحوربت بفكرة إرهاب، وتم إحياؤها أو الاحتفال بها أو محاولة استعادتها أو إعادة استلابها أو الاكتفاء بمراقبتها بأفكار متضاربة ومعتقدات متداخلة وأيديولوجيات متناحرة ولخبطات متواترة أكدت إن للثورة وجوها عدة غير ذلك الوجه الواحد الذي آمن به بعضهم.
أثبت يوم أمس ان هناك زخماً ثورياً شاباً يقابله زنخاً ثورياً فلولياً ويواجههما لبس ثوري شعبي مخلوط بهطل ثوري «إخواني» لا يخلو من إدمان ثوري محدود واحتكار ثوري متمدد وتفخيخ ثوري تكفيري، والكل دار وما زال في دوائر ثورية مغلقة تتساءل عما إذا كان ينبغي على المصري أن يحتفل بثورة أم يحيي ذكرى أم يبكي على نكبة أم يجلس على كنبة. إنه موزاييك الوطن بجزيئاته في ذكرى الثورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.