ارتبطت صورة رجال الدفاع المدني في أذهاننا ببراعة ما يحدث في المسلسلات الأميركية والبرامج الوثائقية مثل (911)، التي تظهر فيها التقنية العالية في إنقاذ البشر، أو كما شاهدناها في الكبسولة التي صممت كاستجابة حاضرة لإنقاذ 33 عاملاً احتجزوا إثر انهيار منجم للفحم في تشيلي، وأصبحت بعدها تجوب المتاحف العالمية ليشاهد الناس عبقرية الإنقاذ هذه، كما شاهدنا الروح الإنسانية العالية التي عملت بها فرق الدفاع المدني في أحداث ال11 من سبتمبر. هذه صورة رجال الدفاع المدني. شباب مليء بالحيوية يهب مسرعاً ويصل خلال ثوانٍ حين يسمع النداء، مجهزاً بكل الطاقات والخبرات الطبية والدفاعية، ويعمل بطاقته القصوى، التي لا تنقص ولو كان المحتجز قطة عالقة في أعلى شجرة. كما رأينا أيضاً أن رجل الدفاع المدني إنسان في النهاية، قد تدمع عينه لرؤية طفل فقد قريباً له في حادثة أو خلال تذكره رجلاً وحيداً عانى من مأساة، وقد يتصل به في عطلة نهاية الأسبوع قائلاً: «دعنا نخرج سوياً كي نشرب الجعة». ومثلما ارتبطت الجعة برجال الدفاع المدني في المسلسلات الأميركية، فقد جاءت حادثة «غريقات رماح» لتربط رجال دفاعنا المدني بالموز، والتي تأكد لنا فيها أن رجال الدفاع المدني يحبون الموز، هذا للأسف ما ورد في حادثة «غريقات رماح»، حيث ابتلع مستنقع ماء تجمَّع بعد هطول الأمطار في رماح - وهي منطقة قريبة من الرياض تتنزه فيها العائلات - ست فتيات أعمارهن بين ال9 وال18. يقول والد إحدى الغريقات إنه لم يتألم فقط لأن رجال الدفاع المدني وصلوا متأخرين ساعات، وإن رجال الدفاع المدني جاؤوا بأدوات ناقصة في حادثة غرق، فهو يعتقد أن حوادث الغرق يلزمها وجود ضفادع بشرية مجهزين بمعدات الغوص، وأجهزة رؤية خاصة لمناطق الوحل، وليس مجرد قارب فقط، ولم يثر غضبه أن سيارة واحدة من أربع سيارات فقط وصلت إلى مكان الحادثة، فيما علِقت ثلاث منها في الوحل، ولم ينتقد فقط العدد القليل لرجال الدفاع المدني في حادثة مروّعة كهذه، إذ كانوا فقط ثمانية، بينهم ضابطان لن يقوما بأي دور تنفيذي. حسناً، ستقولون ما الذي أزعجه إذاً فوق كل هذا؟ ما أزعجه «أن رجل الدفاع المدني كان يأكل موزاً، ولم يمنعه أو يقلل من شهيته أن الواقف أمامه فجع للتو بغرق ابنته، فقد كان يأكل الموز وهو يستمع إلى شرح الأب المفجوع». صحيح أن الموز فاكهة تمنح الطاقة، لكن لم يثبت لنا في البرامج الوثائقية أن أكله ضروري قبل مباشرة الكوارث، لكن هذا يكشف لنا سر المزالق التي يزلق فيها رجال الدفاع المدني عندنا، ليس كما ظهر في كارثة «غريقات رماح» فقط، بل في معظم حوادث الإنقاذ وبخاصة في السيول، التي يثبت فيها الشباب الذين يهرعون إلى إنقاذ الغرقى تفوقهم على فرق الدفاع المدني، ما يجعلنا نعتقد أن هؤلاء الشباب يجب أن يفتحوا لهم أفرعاً ومكاتب، فقد تكون أجدى من انتظار رجال دفاع مدني يحتاجون إلى من ينقذهم ويساعدهم، فوالد الفتاة قال إن رجال الدفاع المدني عجزوا عن جرّ القارب للبحيرة لولا مساعدة الناس لهم، كما قال إنه بسبب تأخرهم وجد الأهالي أنفسهم يخرجون أربع فتيات، بينما الدفاع المدني أخرج الفتاتين الباقيتين لأنهما علقتا في عمق البحيرة. تأخر النجدة كان من الممكن أن يزيد عدد الضحايا، فالناس بسبب فجيعتهم وعدم درايتهم بكيفية التصرف وقت الكوارث قد يعرّضون أنفسهم لمخاطر كبيرة، وحين يأتي رجل الدفاع المدني وفي يده «موزة»، فإن الناس لن يتوقعوا سوى «الزلق»، وستقول: «الله يعينا على الزلقة»! [email protected]